الصلاة على الجنازة جائزة غير مُحرَّمة في أي مكان من الأرض لعموم قوله ـ ﷺ ـ “جُعلت لي الأرض مسجدًا فأينما أدركتك الصلاة فصَلِّ.
لكن الخلاف هو في المكان الأفضل لها، فقال الشافعية: تندب الصلاة على الجِنازة في المسجد؛ لأنه خير بقاعِ الأرض، وروى مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ما صلى رسول الله ـ ﷺ ـ على سُهيل بن بيضاء إلا في المسجد.
وصلى الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد؛ لأنها صلاة كسائر الصلوات. والحنفية والمالكية قالوا بكراهتها في المسجد، واستدلُّوا بقول النبي ـ ﷺ ـ كما رواه أبو داود ـ “من صلى على جِنازة في المسجد فلا شيء له” أي ليس له ثواب، لكن هذا الحديث ضعيف ومُعارض لفعل رسول الله ـ ﷺ ـ وأصحابه وصحح بعضهم هذا الحديث؛ لأنه جاء في بعض النسخ “فلا شيء عليه” يعني من الوِزْر، وكما كرهوا الصلاة عليه في المسجد كرهوا إدخاله ولو من غير صلاة.
والحنابلة أباحوها في المسجد إن لم يُخش تلويثه، وإلا حُرِّمت وحُرِّمَ إدخاله ولو لغير الصلاة عليه، يقول ابن القيم: ولم يكن من هدي رسول الله ـ ﷺ ـ الراتب الصلاة على الميت في المسجد، وإنما كان يصلى على الجنازة خارج المسجد إلا لعُذْر، وربما صلى أحيانًا على الميت كما صلى على سُهيل بن بيضاء وأخيه وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد.
أما الصلاة على الميت في المقبرة فكَرِهَهَا الْجمهور، وفي رواية لأحمد أنه لا بأس بها؛ لأن النبي ـ ﷺ ـ صلى على المرأة التي كانت تُنظف المسجد بعد أن دُفنت، وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع وحضر ذلك ابن عمر وغيره؛ لأن صلاة الجنازة أساسها الدعاء للميت، وليست كالصلوات الأخرى ذات الركوع والسجود التي يُتعبد بها إلى الله سبحانه “انظر ص 600 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى”.
وسُهيل بن بيضاء قديم في الإسلام، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهِد بدرًا وغيرها ومات بها سنة تسع، وأخوه سهل كان ممن أظهر الإسلام بمكة، ومشى إلى النَّفر الذين قاموا بنقض الصحيفة التي كتبها مشركو مكة، ضد بني هاشم حتى نقضوها وأنكروها “أُسْد الغابة”.