أصحاب المعاصي صنفان، أحدهما مستتر بمعصيته ، ولم يشتهر بالشر والفساد فهذا يندب ستر أمره عن الخاصة والعامة، حاكما أو غيره، مع وعظه وتذكيره وإعانته على التوبة، هذا إن كانت ذنبا قد ألم به، أما إن كانت معصية متلبسا بها فيجب المبادرة بإنكارها ومنعه عنها ولو لزم رفع الأمر للحاكم، ولا يجوز السكوت عليها بحال.
أما من اشتهر فسقه وجاهر بمعصيته، فهذا يندب فضح أمره ليكون الناس منه على بينة، ليتقوا شره ويرفع أمره للحاكم ليرتدع بسطوة السلطان إن لم يردعه حياؤه من الناس.
ويستثنى مما سبق ما يتعلق بجرح الرواة والشهود والأمناء على الأيتام فلا يجوز إخفاء أمرهم بل يتعين جرحهم عند الحاجة ولا يعد ذلك غيبة بل هو من النصيحة الواجبة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية
أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب، أو ذنب، أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات، أو نحوهم ممن لم يعرف بالشر، والأذى، ولم يشتهر بالفساد , ولم يكن داعيا إليه , كأن يشرب مسكرا، أو يزني أو يفجر متخوفا متخفيا، غير متهتك ولا مجاهر يندب له أن يستره , ولا يكشفه للعامة أو الخاصة , ولا للحاكم أو غير الحاكم , للأحاديث الكثيرة التي وردت في الحث على ستر عورة المسلم والحذر من تتبع زلاته , ومن هذه الأحاديث:
قوله ﷺ: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) وفي رواية (ستره الله في الدنيا والآخرة)” وقوله ﷺ: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم).
وقوله ﷺ: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة , ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته).
ولأن كشف هذه العورات , والعيوب والتحدث بما وقع منه قد يؤدي إلى غيبة محرمة، وإشاعة للفاحشة.
قال بعض العلماء: اجتهد أن تستر العصاة , فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام , وأولى الأمور ستر العيوب. قال الفضيل بن عياض : المؤمن يستر وينصح , والفاجر يهتك ويُعَير.
أما من عرف بالأذى والفساد والمجاهرة بالفسق وعدم المبالاة بما يرتكب , ولا يكترث لما يقال عنه، فيندب كشف حاله للناس، وإشاعة أمره بينهم حتى يتوقوه ويحذروا شره , بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف مفسدة أكبر ; لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله. فإن اشتد فسقه ولم يرتدع من الناس، فيجب أن لا يستر عليه بل يرفع إلى ولي الأمر حتى يؤدبه ويقيم عليه ما يترتب على فساده شرعا من حد أو تعزير ما لم يخش مفسدة أكبر. وهذا كله في ستر معصية وقعت في الماضي وانقضت .
أما المعصية التي رآه عليها وهو متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها على من قدر على ذلك , فلا يحل تأخيره ولا السكوت عنها , فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر , لقوله ﷺ: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .
ومن هذا الباب قول العلماء: إنه لا ينبغي لأحد أن يتجسس على أحد من المسلمين أو يتتبع عوراته لقوله تعالى : { ولا تجسسوا } الآية . ولما ورد عن النبي ﷺ من النهي عن التجسس والتحسس على عورات المسلمين ، إلا أنهم استثنوا من ذلك ما يتعلق بجرح الرواة , والشهود , والأمناء على الصدقات , والأوقاف , والأيتام , ونحوهم , فيجب جرحهم عند الحاجة , ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم , وليس هذا من الغيبة المحرمة , بل هو من النصيحة الواجبة بإجماع العلماء . كما أجمعوا على أنه لو رفع من يندب الستر عليه إلى السلطان فلا إثم في ذلك , ولكن الستر عليه أولى .