الله سبحانه وتعالى يحب التوابين المتطهرين من ذنوبهم والعائدين إليه صادقين، وهو أعلم بهم، فمن تاب وآمن وعمل عملا صالحا فالله تعالى يعفو عنه ويغفر له ويقبل توبته، بل إن صدقت النية وعلم الله صدق التوبة واستقام التائب على طاعة الله واجتنب المعاصي والآثام بدل الله تعالى بفضله ورحمته تلك السيئات حسنات.

يقول الله سبحانه وتعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (طه : 82)) ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) [سورة فرقان : 68-70].

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : “إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر” أي عند خروج الروح، ويقول صلى الله عليه وسلم : “لله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل ضل راحلته في أرض فلاة… فإذا هي عند رأسه..”.
والآيات والأحاديث في التوبة كثيرة.

وقد شدد بعض الفقهاء في التوبة من الزنا فقال بضرورة الذهاب لأهل المزني بها أو زوجها إن كانت متزوجة وطلب السماح منهم، ولكن هذا يؤدي لمشاكل كبيرة، والراجح هو ما ذهب إليه المحققون من العلماء أن الزنا كبيرة بين العبد وربه يلزمه التوبة منها، وليس من شروط التوبة منها إبلاغ أهل المزني بها ولا زوجها.

فالواجب على المسلم أن يسارع بالتوبة النصوح : ندما واستغفارا وعزما على عدم العودة إلى الذنوب أبدا، وخوفا من عقاب الله، وطمعا في رحمته تعالى، واصدق في توبتك واسأل الله الثبات، يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين).

يقول فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :

من أتى جريمة الزنا، فعليه أن يتوب إلى الله عنها، ويندم ويستغفر الله عز وجل، ويعزم عزمًا صادقًًا على ألا يعود لمثل هذا الذنب أبدًًا، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

بعض العلماء شددوا وقالوا : لا بد أن يذهب إلى أهل المزني بها ويستسمحهم لأن هذا أمر يتعلق بحقوق العباد، فلا بد أن يسامح العباد في حقهم، ومعنى هذا أن يذهب الرجل إلى من يريد أن يستسمحه فيقول له : لقد زنيت بامرأتك أو بابنتك فاصفح عني وسامحني… وهذا شيء لا يعقل حدوثه، لأن ذلك الرجل سوف يقتله أو يفعل به الأفاعيل.

ولهذا حقق المحققون أن التوبة من الزنا تكون بين المرء وخالقه تعالى. فإذا تاب وأناب وندم واستغفر، فالمرجو أن يعفر الله له ويعفو عنه.

ولا يستتبع هذا أي حكم شرعي بين الرجل وبين زوجته إن كان متزوجا؛ وأرجو ممن ابتلي بهذا أن يستر على نفسه ويحفظها ويحفظ بيته وأسرته ولا يعد لمثل هذه الكبيرة وليست المعصية كما قلت؛ وليكثر من الاستغفار واللجوء إلى الله ليعينه على نفسه.

ويقول الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي -الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله- :

نرى -والله أعلم- أنه ما دامت قد صحت نيَّةُ التائب النادم المعذب الحائر على الإقلاع الصادق عن المعصية، مع الندم الصحيح على ما فرط منه، والتوبة الكاملة عنه، والعزم العازم على عدم الرجوع إليه، والاستقامة في سبيل الفضيلة والدين، وما دام يُوقن بأن طلب المسامحة ممن وقع عليهم السوء سيفضي إلى سوءٍ مُحقق أو اتساع في الشر، نرى أن يُعاهد الله على دوام الاستقامة ومحاسبة النفس، وإن استطاع أن يحصل على مسامحة عامة بتعريض لا بمسِّ الموضوع بذاته، في حكمة وإتقان، فليفعل، وعلى كل حال فالدين يُسْرٌ، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.