سنتناول في هذه المادة بيان أقوال النبي ﷺ في صيغ الصلاة الإبراهيمية، تلك الأقوال التي وردت عنه بأسانيد متعددة والتي تظهر عظمة هذه الصلاة ومكانتها في قلوب المؤمنين. سنشرح الفروق الدقيقة بين هذه الصيغ ونبين كيف أن كل منها يحمل بُعدًا خاصًا ومعنىً غزيرًا يثري الروح ويعمق الإيمان.
ما هي الصلاة الإبراهيمية؟
الصلاة الإبراهيمية عبارة عن صيغة الصلاة على النبيﷺ التي جاءت مقترنة بالصلاة على إبراهيم عليه السلام. وقد أمر الله المسلمين بالصلاة على النبي ﷺ ووجه هذا الأمر هو الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب، قال الله تعالى: قال الله عز وجل: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
قال الإمام الترمذي رحمه الله: ورُوِيَ عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار.
والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه.
ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا.
صيغ الصلاة الإبراهيمية
جاء في صيغ الصلاة الإبراهيمية عن النبي ﷺ أحاديث متنوعة، من أصحها ما يلي:
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى ِإبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» (رواه البخاري والنسائي والطحاوي وأحمد)
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري ومسلم)
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه النسائي والطحاوي)
وهكذا كل هذه الأقوال ثبتت عن النبي ﷺ فمن أتى بأي واحدة منها؛ حصل به المقصود، ولو اختصر، وقال: اللهم صل وسلم على رسول الله؛ كفى.
قال عبد المحسن العباد: وهذه الكيفية التي علم ﷺ أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه ﷺ هي أفضل كيفيات الصلاة عليه ﷺ، وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبيﷺ وآله والصلاة على إبراهيم ﷺ وآله.
وممن استدل بتفصيل الكيفية التي أجاب النبي ﷺ أصحابه بها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه (11/166) قلت واستدل بتعليمه ﷺ لأصحابه بالكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل.
الصيغة المختصرة للصلاة على النبي
اشتهر عند السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه ﷺ عند ذكره بصيغتين مختصرتين:
1- ﷺ
2- عليه الصلاة والسلام
وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما ولله الحمد كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه ﷺ. يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: ينبغي له – يعني كاتب الحديث – أن يحافظ على كتبة الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما. [فضل الصلاة لعبد المحسن العباد].
معجزات الصلاة الإبراهيمية
إن كان القصد بمعجزات الصلاة الإبراهيمية فضل الصلاة على النبي ﷺ وخصائصها وثواب أدائها على الوجه المطلوب، فقد ثبت في فضل الصلاة على النبي ﷺ عموما أحاديث كثيرة، إذ الصلاة الإبراهيمة هي صيغة الصلاة على النبي ﷺ التي علمها الرسول الصحابة رضي الله عنهم وقد خصها النبي بتعليمها فكان لها فضل خاص من هذا الجانب.
فضل الصلاة الإبراهيمية والصلاة على النبي ﷺ
امتثال أمر الله عز وجل وموافقته سبحانه وتعالى في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم:
وإن اختلفت الصلاتان: فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
وأيضًا موافقة الملائكة فيها؛ قال الله عز وجل: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
حصول عشر صلوات من الله عز وجل ومن الملائكة على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» (رواه مسلم).
مَن صلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة كتب الله له بهاً عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات: عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِكَ الْبِشْرُ؟ قَالَ: «أَجَلْ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي عز وجل فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلَاةً كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا». (صحيح رواه أحمد والنسائي)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لعرض اسم المصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكفى بالمرء نُبلاً أن يُذكر اسمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمُسَلّم عليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» (حسن رواه أحمد وأبو داود)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لزيادة محبته صلى الله عليه وآله وسلم والقرب منه: فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أكثِرُوا علَيَّ مِن الصلاةِ في كلِّ يومِ جمعة؛ فإن صلاةَ أمَّتي تُعرَضُ عليَّ في كلِّ يومِ جمعة؛ فمَن كانَ أكثرَهم عليَّ صلاةً كانَ أقربَهُم منِّي منزِلةً» (حسن رواه البيهقي)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لغفران الذنوب وسبب لكفاية العبد ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة: فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ». قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». (حسن صحيح رواه والترمذي) قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (جلاء الأفهام): «وسُئِل شيخنا أبو العباس (ابن تيمية)، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: إن زِدتَ فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير، إلى أن قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه رضي الله عنه».اهـ.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لنَيْل شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عليَّ أو سألَ لِيَ الوسيلةَ حقَّتْ عليهِ شفَاعَتي يَومَ القِيَامَة» (رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصححه الألباني)
يُرجَى إجابة الدعاء إذا قدَّم الداعي الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامه: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كلُّ دعاءٌ محجوبٌ حتى يُصَلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم». (حسنه الألباني في صحيح الجامع). قال المناوي: (كلُّ دعاءٌ محجوبٌ) أي محجوب عن القبول (حتى يُصَلَّي) أي حتى يُصَلِّي الداعي (على النبي صلى الله عليه وآله وسلم) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه؛ إذ هي الوسيلة إلى الإجابة». وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صلى الله عليه وآله وسلم» (صحيح رواه الترمذي)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لطِيبِ المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة. وتنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ويحمد ويثنى عليه فيه، ويصلى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وآله وسلم، ويخرج بها العبد عن الجفاء.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصَلِّي طالبٌ من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه: لأن المصلي داعٍ ربه أن يبارك علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لنَيْل رحمة الله عز وجل للمصلي؛ لأن الرحمة ـ كما قال ابن القيم رحمه الله ـ إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزيادتها وتضاعفها: وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لمحبته للعبد: فإنها إذا كانت سببًا لزيادة محبة المصَلِّى عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو صلى الله عليه وآله وسلم للمصَلِّي عليه.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب لهداية العبد وحياة قلبه: فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضةٌ لشيء من أوامره، ولا شكٌ في شيءٍ مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرةً وقوةً ومعرفةً، ازدادَتْ صلاتُه عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء لأقل القليل من حقه.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله: فالمصَلِّي عليه صلى الله عليه وآله وسلم قد تضمنتْ صلاتُه عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه.
متى تقرأ الصلاة الإبراهيمية؟
هناك مجموعة من المواطن يسن فيها الصلاة على النبي ﷺ وذلك تبعا للخطاب الشرعي الذي أمر بذلك تحديدا. وقد تعرض ابن القيم في كتاب جلاء الأفهام لهذه المواطن بالذكر، واختصرها الباحث شحاتة وهذه المواضع هي:
- في الصلاة في آخر التشهد: وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الموضع واختلفوا في وجوبها فيه. وقد استدل من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ». (صحيح رواه أبو داود). وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يصلي فمجَّد الله وحمِدَه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ادْعُ تُجَبْ وسَلْ تُعْطَ» (رواه النسائي بسند صحيح)
- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية: لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أن السُّنَّة في الصَّلَاةِ علَى الجنَازةِ أنْ يُكَبِّر الإمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبيرة الأولَى سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصَلِّي على النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم … » (صحيح رواه النسائي وغيره)
- يوم الجمعة: فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ ـ يَقُولُونَ: بَلِيتَ ـ فَقَالَ: «إِنَّ الله عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» (صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
- بعد سماع الآذان: فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ؛ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» (رواه مسلم). (الْوَسِيلَة) قَدْ فَسَّرَهَا صلى الله عليه وآله وسلم بِأَنَّهَا مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة. وَقَوْله صلى الله عليه وآله وسلم: (حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة) أَيْ وَجَبَتْ، وَقِيلَ: نَالَتْهُ. تنبيه: هذا أمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه بعد الأذان، وهذا عام يشمل المؤذن وغيره؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وكلمة (ثم) فيها دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست من ألفاظ الأذان؛ لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكون بعد ترديد ما يقوله المؤذن، فدل ذلك على أن المؤذن لا يرفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان
- في كل مجلس: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً؛ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» (صحيح رواه الترمذي)
- (إِلَّا كَانَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ. (عَلَيْهِمْ تِرَةً) أَيْ تَبِعَةً وَمُعَاتَبَةً، أَوْ: نُقْصَانًا وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً. عند ذِكْرِه صلى الله عليه وآله وسلم: فعن الحسين بن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «البَخِيلُ منَْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان والحاكم). وقد اختلف العلماء في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو جعفر الطحاوي، وأبو عبيد الله الحليمي: تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر اسمه. وقال غيرهما: إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه.
- عند دخول المسجد والخروج منه: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ». (صحيح رواه أبو داود). إِذَا خَرَجَ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ» (صحيح رواه ابن ماجه)
- عند الدعاء: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى على النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم» (حسنه الألباني في صحيح الجامع). وعن عبد الله بن أبي بكر قال: كنا بالخيف ومعنا عبد الله ابن أبي عتبة: فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا بدعوات ثم قام فصلى بنا» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
- في القنوت: عن قتادة عن عبد الله بن الحارث: أن أبا حليمة معاذ رضي الله عنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القنوت» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم)
- في الصباح والمساء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْراً، وحِينَ يُمْسِي عَشْراً أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَة». (حسن رواه الطبراني).
- بين تكبيرات العيد: عن علقمة، أن ابن مسعود وأبا موسى، وحذيفة رضي الله عنهم، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوماً، فقال لهم: «إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟» قال عبد الله: «تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بالصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تدعو أو تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تدعو وتكبر الله، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع. فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن». (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
كيف تصلي الصلاة الإبراهيمية؟
أما ما يخص كيف تصلى الصلاة الإبراهيمية فهذه المسألة قد بينها رسول الله ﷺ لأصحابه حين سألوه عن ذلك. وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، نذكر منها هنا مثالا واحدا.
روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ” ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي ﷺ فقلت بلى فأهدها إلي، فقال: سألت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد”.
وقد استدل العلماء بتعليمه ﷺ لأصحابه كيفية الصلاة عليه بعد سؤالهم عنها، على أن هذه الكيفية هي أفضل طرق الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف والأفضل، ويترتب على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك قراءة بالنية الدعاء.
ما الفرق بين الصلاة الإبراهيمية والصلاة على النبي؟
الصلاة الإبراهيمية هي أحد صيغ الصلاة على النبي ﷺ التي جاء في لفظها اقتران الصلاة على النبي ﷺ بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم، وهي الصيغة المشهورة في السنة الصحيحة، واستحب العلماء الدعاء بها في التشهد.
متى يظهر قبول الصلاة الإبراهيمية؟
الصلاة على النبي ﷺ بصيغة الصلاة الإبراهيمية أو بغيرها من أعمال العبادة المقربة إلى الله تعالى، والعبادة لا تكون مقبولة عند الله ونافعة لديه إلا إذا اشتملت على أمرين أساسين:
- أولهما: أن تكون العبادة لله خالصة لا شركة لغيره فيها كما أنه تعالى ليس له شريك في الملك فليس له شريك في العبادة كما قال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا}
- الثاني: أن تكون العبادة عل وفق الشريعة التي جاء بها رسوله محمد ﷺ كما قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ، وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}.
وإذا أدى المسلم الصلاة على النبي ﷺ على الوجه المذكور ووافقت الأمرين المذكورين فإنه يرجى أن تكون صلاته مقبولة.