يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
النصارى كغيرهم من الناس، في المعاملات المالية ما خصهم الدين بأحكام في العقود والمعاوضات ، فالرهن عندهم كالرهن عند غيرهم ، إن جائزًا في نفسه فجائز معهم ، وإن ممنوعًا فممنوع، والدين قد حرم الربا ؛ لما فيه من قساوة القلب وترك التعاطف والمواساة للمحتاج .
واعلم أنك أيها المسلم إذا عددت كل ما يقوله المصنفون في كتب الأحكام التي يسمونها فقهًا من أمور ، وحكمت بفسق التارك لبعض شروطهم في هذه المعاملات الدنيوية ، فإنك تقذف بالمسلمين في مأزق من الحرج ، لا قبل لهم به ولا طاقة لهم باحتماله .
إن الدين حرم الربا والغش والخيانة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، والضرر والضرار ، وكل ما فيه إفساد للأخلاق وتدنيس للأرواح ، وأوجب عليهم الوفاء بالعقود ، وأقرهم على عقودهم ما لم تحل حرامًا أو تحرم حلالاً ، وأباح لهم بعد ذلك أن يتعاملوا كيف أرادوا بالتراضي بينهم ، وهم غير مكلفين بالعمل بآراء الفقهاء واجتهادهم ، التي لا دليل عليها في النص ، إلا إذا أمر الحكام بالقضاء فيها ، فحينئذ تتبع لأجل أن تكون المعاملات نافذة تدينًا وتعبدًا .
مثال ذلك : اشتراط الإيجاب والقبول في البيع مثلاً لما يتعبدنا الله به ، وقد قال به من قال ؛ اجتهادًا لما رآه من المصلحة فيه، فإذا تعارف الناس على نوع من المعاطاة وتراضوا به ، جاز لهم ذلك دينًا ، ولكنهم يضطرون إلى التزام الإيجاب والقبول ، إذا أرادوا أن يكون البيع نافذًا عند حاكم يشترطه .