وردت آثار تنهى عن النعي،وأخرى يفهم منها إجازته ،والجمع بينهما أن يقال :إن النعي إذا كان نعي الجاهلية ،الذي يشتمل على ذكر المآثر والمفاخر فمنهي عنه، أما إن كان المقصود منه جمع الناس للصلاة على الميت كان ذلك جائزًا ، لما فيه من الثواب للمصلي، والرحمة للميت ،أما استخدام أدوات المسجد للنعي ، فإن الأولى تركها،إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

يقول الشيخ عطية صقر أحد كبار علماء الأزهر الشريف:

‏أخرج ابن ماجه والبيهقي بسند حسن أن حذيفة بن اليمان ، قال :‏ نهى رسول اللّه عن النعي .

‏وروى الترمذي عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي أنه قال “إياكم والنعي، فإن النعي من عمل الجاهلية ” قال الترمذي حديث غريب :‏ أي رواه راو واحد فقط .‏

‏وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي نعى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وفي لفظ ” إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه ” .‏

‏وروى البيهقي عن أنس بن مالك أن النبي نعى جعفرًا وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة، وذلك في غزوة مؤتة .‏

‏وروى أيضًا أن النبي قال فيمن دفن ليلاً، وكان يَقُمُّ المسجد ” أفلا كنتم آذنتموني ” وفي رواية “ما منعكم أن تعلموني ” .‏

‏وروي أيضا أن رافع بن خديج مات بعد العصر، فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له :‏ ما ترى؟ أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال :‏ إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته .‏

النَّعى والنَّعِي الإخبار بموت الميت ، قال الأصمعي :‏ كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسًا وجعل يسير في الناس ويقول :‏

نَعَاءِ فلانًا، أي أنعيه وأظهر خبر وفاته .‏ قال الجوهري :‏ وهي مبنية على الكسر مثل درَاكِ ونزال .‏

إذا كان النعي على نحو ما يفعله أهل الجاهلية من ذكر المآثر والمفاخر فهو ممنوع ، كما يدل عليه الحديثان الأولان ، واستحب جماعة من أهل العلم ألا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وأصحابه علقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل .‏

أما إذا كان النعي لأجل إخطار الأقارب والأصدقاء ليشهدوا جنازته ويكثر المصلون عليه ، لأن في كثرتهم أجرًا لهم ونفعًا للميت ، فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر كما صح في الحديث ولأنه ورد “ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب ” يعني وجبت له الجنة ، إذا كان النعي لذلك فلا بأس به ، بل هو مستحب ، وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين وإبراهيم النخعي وعلقمة، يقول البيهقي :‏ بلغني عن مالك أنه قال :‏ لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس .‏ ومن جوزوا النعي بهذا القصد اعتمدوا على المرويات الثلاثة الأخيرة المذكورة .‏

من هذا نرى أن النعي إن كان يحمل معنى التفاخر والتباهي فهو مذموم ، وإن كان من أجل إعلام الناس بالوفاة للاشتراك في الصلاة على الميت وتشييع الجنازة فلا بأس به ، والأعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى، وبهذا يمكن التوفيق بين ما ورد من الأحاديث والآثار في ذم النعي وعدم ذمه .انتهى

ويقول الدكتور رفعت فوزي رئيس قسم الشريعة الأسبق بكلية دار العلوم:

إذا كان النعي في غير وقت الصلاة ، فلا بأس باستخدام مكبرات الصوت ، لما في ذلك من المصلحة، من الإخبار عن الوفاة للصلاة على الميت .