الأصل أن المسلم يطيع الله فيما أمر، وينتهي عما نهى عنه ، سواء أظهرت حكمته سبحانه في ذلك أم لم تظهر، قال تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب 36 ، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني .
والله سبحانه له حِكْمَة في توزيع الصلوات على الأوقات المعروفة وقصرها على خمس صلوات بدلا من خمسين فلابد من المُحافظة على ذلك حتى لو لم نَفْهَم الحِكْمة، فالأمر قائم على الاتِّباع، ففي الحديث “صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي” وقد عيَّن جبريل للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ مواقيت الصلاة، بعد أن فُرِضَت عليه ليلةَ الإسراءِ، وحدَّد له أول الوقت وآخره، وقال له: “الوَقت ما بين هذين الوقتيْن” .
وحديث الإسراء والمعراج رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهو بهذا في أعلى درجات الصِّحّة، وجاء فيه أن الله عندما فرض على النبي ـ ﷺ ـ الصّلاة خمسين أشار عليه سيّدنا موسى أن يسألَ ربّه التّخفيف، فخُفِّفت حتّى صارت خمسًا في العمل وخَمسين في الأجر.
بل إن علماء الأصول بنوا على هذه الفقرة من الحديث قاعدة أصوليّة، وهي هل يجوز النّسخ قبل الفِعل أو لا يجوز؟
وقال القرطبي : الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي ـ ﷺ ـ في أمر الصلوات يَحتمل أن تكون لكونِ أمّة موسى ـ عليه السلام ـ كُلِّفَتْ من الصلوات ما لم يُكلَّف به غيرُها من الأمم قبلها فثقلُت عليهم، فأشفقَ موسى على أمة محمد من مثل ذلك، ويشير إليه قوله: إنِّي جرّبت الناس قبلَك . “الزرقاني على المواهب اللدنية ج 6 ص 123” .