يجوز للمسلم أن يعد كفنه مسبقا، وإذا أوصى الميت أن يكفن في كفن خاص، فلا بأس بتنفيذ وصيته إن لم يكن في ذلك حرمة كأن يوصي أن يكون كفنه من حرير، ومن السنة أن يكون الكفن حسناً، والمراد بإحسان الكفن نظافته وستره وتوسطه وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ونفاسته .

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

إن تكفين الميت فرض على الكفاية؛ لأن النبي أمر بذلك في أحاديث منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فقال النبي : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه -أي لا تطيبوه لأنه كان محرماً- ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) رواه البخاري ومسلم.

ويجوز للمسلم أن يعد كفنه ويحضره مسبقاً، قال الإمام البخاري: ” باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه “، ثم روى بسنده عن سهل رضي الله عنه (أن امرأة جاءت النبي ببردة منسوجة فيها حاشيتها، أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة، قال: نعم، قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي محتاجاً إليها ، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلان فقال: أكسُنيها ما أحسنها، فقال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي محتاجاً إليها وعلمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني ، قال سهل: فكانت كفنه).

قال الحافظ ابن حجر: “…. فيستفاد منه جواز تحصيل ما لا بد منه للميت من كفن ونحوه في حال حياته “. فتح الباري 3/385.

وإذا أوصى الميت أن يكفن في كفن خاص ، فلا بأس بتنفيذ وصيته إن لم يكن في ذلك حرمة ، كمن يوصي بأن يكفن في ثوب من الحرير ، فلا تنفذ وصيته إن كان رجلاً، وكذلك ما لم يكن هناك مغالاة بالكفن ، فلا تنفذ وصيته؛ لقوله : (لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً) رواه أبو داود وإسناده حسن ، قاله النووي في المجموع 5/196.

وينبغي أن يكون الكفن حسناً ، لما ثبت في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي (خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل – أي غير كامل – وقبر ليلاً ، فزجر النبي أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وقال النبي : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم وغيره.

والمراد بإحسان الكفن نظافته وستره وتوسطه وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ونفاسته “شرح النووي على صحيح مسلم” 3/13.

ولا يشترط في الكفن أن لا يكون مخيطاً لأن النبي ( ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات) رواه البخاري ، قال الحافظ ابن حجر: ” والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعاً …. وإلى أن التكفين في غير قميص مستحب ولا يكره التكفين في القميص ” فتح الباري 3/381 . والأفضل أن لا تخاط الأكفان ، وهو المأثور من لدن رسول الله إلى وقتنا الحاضر.

قال الحافظ ابن عبد البر: “وقد أجمعوا أن لا تخاط اللفائف ، فدلَّ على أن القميص ليس مما يختار لأنه مخيط ” الإستذكار 8/212 .

ويدرج الميت في الكفن إدراجاً كما أدرج النبي ، ولا ينبغي أن يزاد في الكفن عن ثلاثة أثواب ، كما كُفّن الرسول ، فقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها : (أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) رواه البخاري ، وسحولية نسبة إلى (سحول) بلد في اليمن.

وأما ما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه فقد روى البخاري عن عائشة في قصة وفاة أبيها قالت: ” فنظر – أي أبو بكر- إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه ، به ردع من زعفران فقال: اغسلوا ثوبي هذا فزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قلت: إن هذا خلق، فقال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة -أي للصديد- ” .

وفي رواية أخرى قال أبو بكر لعائشة: ” انظروا ثوبيَّ هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت ” رواه أحمد في كتاب الزهد.

وروى عبد الرزاق نحوه وقال الحافظ إسناده صحيح نصب الراية 2/262 . وقول أبي بكر ووصيته في أن يكفن في الثوب القديم ، يحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به ، لكونه صار إليه من النبي أو لكونه جاهد فيه أو تعبد فيه ويؤيده ما ورد في إحدى الروايات أنه قال: ” كفنوني في ثوبيَّ اللذين كنت أصلي فيهما ” ذكره الحافظ في الفتح 3/497 ، وقول أبي بكر ووصيته لا يغني عن الكفن لما ثبت في الرواية التي ذكرتها وهي عند البخاري أنه قال: ” وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما” .