الواجب على المسلم أن يلتزم بما في القرآن وما في السنة والأحكام التي بناها عليهما الفقهاء الأجلاء حتى وإن كان بطريق غير مباشر كالقياس خاصة والاجتهاد عامة، فيجوز للمسلم ألا يلتزم بمذهب معين، وأن يأخذ ما يناسبه مما يتضح له أنه ثابت في القرآن أو السنة أو القياس أو الإجماع أو عمل الصحابة رضوان الله عليهم.
ولكن هذا قد يكون متعذرًا وخاصة أن الكثير من المسلمين ليست عندهم الوسيلة للبحث في الأدلة وما هو راجح من الأحكام وما هو غير راجح منها، والأولى للمسلم والأفضل أن يلتزم بمذهب معين لأن كل مذهب قد أُعدّ إعدادًا جيدًا وعلى بصيرة بما في الكتاب والسنة وأقوال العلماء واختلافهم، فهذا مرفأ للأمان، ولا بأس له أن يأخذ ببعض الأحكام حتى وإن التزم بمذهب معين إذا اطمئن إلى أن ما خالفها مما يريد أن يأخذ به واضح السنة وثابت له دليل تلك الأحكام التي قد يخالف فيها مذهبه الذي يلتزمه.
وليس هناك من وجوب في الأخذ بمذهب معين، ولكن هذا هو طريق الأمان لعوام المسلمين، ونعني بعوامهم من هم غير متخصصين في الكتاب والسنة والفقه الإسلامي. أما هؤلاء المتخصصون فينبغي لهم الاجتهاد فيما يستطيعون الاجتهاد فيه دون التزام بمذهب معين، وأن يقلدوا أيضًا العلماء في مذهب معين يلتزمون به عامة فيما لا يستطيعون أو لا يتفرغون للاجتهاد فيه.
أما الأخذ من هذا المذهب تارة، ومن هذا المذهب تارة بغير دليل من الكتاب والسنة، فيخشى ألا يصح عمله على جميع المذاهب كلها حينما يتألف عمله -كالصلاة مثلاً- من بعض الأمور التي تخالف هذا المذهب، أي تخالف علماء هذا المذهب، والبعض الآخر من وضوء أو طهارة ثياب أو غير ذلك تخالف علماء مذهب آخر… هكذا، بحيث إذا عرضت عليهم صلاته بوضوئها وبالثياب التي يلبسها، وهي هي طاهرة أم غير طاهرة، وبالصلاة التي صلاها لا يجيزها علماء أيّ مذهب من المذاهب.. فكما قلت: الأفضل الالتزام بمذهب، مع جواز الخروج عليه في حالة وضوح الدليل الذي يخالفه في الكتاب والسنة وما استنبطه العلماء من واحد منهما.