الدعاء من العبادات التي جعل الله سبحانه وتعالى لها أهمية كبرى في حياة المسلم، لما لها من أثر كبير في الدنيا بدفع البلاء ورفع المصائب، وفي الآخرة من أجر كبير وثواب جزيل، ولذلك نرى أن الآيات القرآنية قد أمرت بها وحثت عليها، بل جاء التخويف من تركها والإعراض عنها، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60].
وهكذا نجد في القرآن الكريم آيات تحث وتحض على ذلك في آيات كثيرة منها:
-قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186].
-وقال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} [النمل: 62].
-وقال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: 28].
القيام في الصلاة ليس محلا للدعاء، لا بعد الفاتحة ، ولا بعد السورة، فلم نقف على أدعية مشروعة بعد الفاتحة أو السورة في الصلاة.
الأدعية الثابتة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ومواطنها:
من الأدعية الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان يدعو بها في صلاته :
1- بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء بالفاتحة ويسمى دعاء الاستفتاح :
عن أبي هريرة قال كان رسول الله ﷺ إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة ؟ قال : أقول : ” اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ” . رواه البخاري ( 711 ) ومسلم ( 598 ) .
2- . دعاء القنوت في الوتر :
عن الحسن بن علي قال : علمني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في الوتر “اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وقني شرما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت . رواه الترمذي ( 464 ) والنسائي ( 1745 ) وأبو داود ( 1425 ) وابن ماجه ( 1178 ) . والحديث : حسَّنه الترمذي وغيره . وصححه الألباني في إرواء الغليل (429) .
3- أثناء الركوع والسجود ، كان الرسول ﷺ يقول : ” سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي ” رواه البخاري ( 761 ) ومسلم ( 484 ) من حديث عائشة .
والدعاء في السجود هو أفضل الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء ) . رواه مسلم ( 482 ) .
4- بين السجدتين ، يقول : ” اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني ” رواه الترمذي ( 284 ) وابن ماجه ( 898 ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
5- بعد التشهد وقبل السلام :
-عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع يقول : اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه البخاري ( 1311 ) ومسلم ( 588 ) – واللفظ له –
-روى البخاري (834) ومسلم (2705) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي . قَالَ : قُلْ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
-وقد روى مسلم (771) حديثاً جمع فيه بعض الأدعية التي كان يدعو بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ .
-وَإِذَا رَكَعَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي .
-وَإِذَا رَفَعَ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ .
-وَإِذَا سَجَدَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ .
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ .
والدعاء بالأدعية السابقة ونحوها من الأدعية المأثورة هو ألأفضل ؛ لأنه المأثور عن النبي ﷺ، ولكن لا بأس أن تدعو بخيري الدنيا والآخرة سواء أكان باللغة العربية الفصحى أو العامية.
الدعاء بملذات الدنيا:
منع جماعة من العلماء أن يدعو المصلي بما يتلذذ به في الدنيا كالدعاء بأن يرزقه الله ألوانا معينة من الفاكهة ويصفها في الدعاء، أو زوجة معينة ويستطرد في وصفها إلا أن الإمام الشافعي لم يمنع هذا.
قال ابن قدامة في المغني:-
ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها , بما يشبه كلام الآدميين وأمانيهم , مثل : اللهم ارزقني جارية حسناء , ودارا قوراء , وطعاما طيبا , وبستانا أنيقا . وقال الشافعي : يدعو بما أحب ; لقوله عليه السلام , في حديث ابن مسعود , في التشهد : ” ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ” . متفق عليه . ولمسلم : ” ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو ما أحب ” .
وفي حديث أبي هريرة { : إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع , ثم يدعو لنفسه ما بدا له } . ولنا قوله عليه السلام { : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين , إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } . أخرجه مسلم . وهذا من كلام الآدميين , ولأنه كلام آدمي يخاطب بمثله , أشبه تشميت العاطس , ورد السلام , والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثور وما أشبهه .
حكم الدعاء بغير المأثور:
ثم بين ابن قدامة حكم الدعاء بغير المأثور فقال:-
فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله عز وجل مما ليس بمأثور , ولا يقصد به ملاذ الدنيا , فظاهر كلام الخرقي وجماعة من أصحابنا أنه لا يجوز , ويحتمله كلام أحمد ; لقوله : ولكن يدعو بما جاء وبما يعرف . وحكى عنه ابن المنذر , أنه قال : لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه ; من حوائج دنياه وآخرته . وهذا هو الصحيح , إن شاء الله تعالى ; لظواهر الأحاديث , فإن النبي ﷺ قال : ” ثم ليتخير من الدعاء ” , وقوله : ” ثم يدعو لنفسه بما بدا له ” .
وقوله : ” ثم ليدع بعد بما شاء ” . وروي عن أنس , قال { : جاءت أم سليم إلى النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله : علمني دعاء أدعو به في صلاتي . فقال : احمدي الله عشرا , وسبحي الله عشرا , ثم سلي ما شئت . يقول : نعم نعم نعم } . رواه الأثرم , ولأن أصحاب النبي ﷺ كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه , فلم ينكر عليهم النبي ﷺ ولهذا لما قال النبي ﷺ للرجل : ” ما تقول في صلاتك ؟ ” قال : أتشهد , ثم أسأل الله الجنة , وأعوذ به من النار . فصوبه النبي ﷺ في دعائه ذلك من غير أن يكون علمه إياه , ولما قال النبي ﷺ : { أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء } . لم يعين لهم ما يدعون به , فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء , إلا ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبل هذا , وقد روي عن عائشة , أنها كانت إذا قرأت { : فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } . قالت : من علينا , وقنا عذاب السموم .
وعن جبير بن نفير , أنه سمع أبا الدرداء , وهو يقول في آخر صلاته , وقد فرغ من التشهد : أعوذ بالله من النفاق . ولأنه دعاء يتقرب به إلى الله تعالى , فأشبه الدعاء المأثور .