صلاة الجنازة فرض كفاية ، يكفي قيام البعض بها، ولكن من يتركها يفوته خير كثير، كما يفوت على الميت خيرا كثيرا، والأولى بكل من وجد فرصة لصلاة جنازة أن يحرص عليها ولا يفوتها.
يقول الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا ـ رحمه الله ـ :
صلاة الجنازة فرض كفاية، بمعنى أنه لو صلاها بعض الناس سقط الطلب عن الباقين، أي لا يُعذبون ، ولكن فاتهم ثواب كبير، والمؤمن الصادق لا ينبغي أن تفوت منه فرصة يكسب فيها ثوابًا مهما كان حجمه. فقد جاء أن كل مؤمن سيندم يوم القيامة، إن كان مُسيئًا ندم ألا يكون قد أحسن، وإن كان مُحسنًا ندِم ألا يكون قد ازداد إحسانًا.
ومع مراعاة أن كل المُشيعين ربما لا يكونون مُتطهرين للصلاة، وفي التطهُّر بعض المَشقة أو تأخير لدفن الجثة، فإن المُتطهر ينبغي أن يُشارك في الصلاة، فقد روى الجماعة عن أبي هريرة أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “من تبِعَ جِنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما ـ أو أحدهما ـ مثل أُحُد” وروى مسلم عن خبَّاب ـ رضي الله عنه ـ قال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ـ وذكر الحديث ـ فأرسل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ خبَّابًا إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع فيخبره ما قالت: فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة.
هذا فيما يعود من الثواب على المُصلي، أما المُصلى عليه وهو الميت فإنه يستفيد من كَثْرة المُصلين عليه؛ لأن المُهم فيها هو الدُّعاء له بعد التكبيرة الثالثة، وذلك إذا استجاب الله الدعاء، وكلما كان عدد الداعين في الصلاة كبيرًا كانت فُرص الاستجابة أكثر، وفي هذا جاءت الأحاديث التي منها ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن مالك بن هبيرة “ما من مُؤمن يموت فيُصلِّي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاث صفوف إلا غُفِر له” فكان مالك بن هُبيرة يتحرى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.
وأخذ بظاهر الحديث أحمد بن حنبل وقال: أُحب إذا كان فيهم قِلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين، في كل صف رجلين، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في كل صف رجل.
وما رواه مسلم وأحمد والترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ “ما من ميت يُصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفعوا” وما رواه مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : “ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شَفَّعهم الله فيه” أي قبل الله دعاءهم وشفاعتهم.
هذا، وكثرة المصلين على الجنازة يدفع إليها حُب الميت أو تكريمه ومحاولة عمل شيء ينفعه، والغالب أن ذلك لا يكون إلا من استقامته وحُسن معاملته للناس. فهم يترحَّمون عليه ويذكرونه بالخير، وذلك أمارة على حب الله له، والحديث يشهد لذلك، فقد مرت جِنازة أمام النبي ـ ﷺ ـ فأثنى الصحابة عليها خيرًا، فقال “وَجَبَتْ” ثم مرت جنازة أخرى فتحدثوا عنها شرًا، فقال “وَجَبَتْ” ولما سألوه عن الإجابتين المتحدثين مع اختلاف حديثهم عن الجنازتين قال “من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض” رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وحدث مثل ذلك لعمر ـ رضي الله عنه ـ حين مرت عليه ثلاث جنازات واختلف الناس في الكلام عليها، فقال كما قال النبي ـ ﷺ ـ “أيُّما مُسلم شهِد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنة” قال: فقلنا وثلاثة، فقال “وثلاثة” فقلنا: واثنان قال: “واثنان” ثم لم نسأله عن الواحد. رواه البخاري. وروى أبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون إلا خيرًا، إلا قال الله: قد قبِلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون.
كل هذا يُؤكد قيمة ثناء الصالحين على الميت، ويدعو إلى كثرة المُصلين على الجنازة.