اتباع الجنازة والصلاة عليها وحضور دفنها من الأمور الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس ، ردُّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) رواه البخاري ومسلم .

وجاء في الحديث أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان ، قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري ومسلم.

 وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها ، أن يستذكر مصيبة الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت ، وأن حال هذا المشيع سيصير إلى مثل ما صار إليه الميت، وهذا التذكر يدفع الإنسان إلى محاسبة النفس والنظر والتفكر في أحواله ، فإن كان محسناً إزداد إحساناً وإن كان مسيئاً رجع وثاب إلى الرشد ، وهذا التفكر والاتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة ) رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح أحكام الجنائز 67 .

 وقد روي في الحديث ( أنه عليه الصلاة والسلام ، كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمت ، ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس ) رواه وكيع في الزهد ، وله شاهد صحيح ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا الطير ) رواه ابن ماجة ،وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/259 ، وانظر المشكاة 15/537 .

وقال الفضيل بن عياض: ” كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلاثة أيام “، ورأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: ” أتضحك مع الجنازة! لا أكلمك أبداً ” .

 وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل: ” استغفروا لأخيكم ” ، فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول: إستغفروا لأخيكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك .

وسُئل سفيان بن عيينه عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به ؟ قال: تذكر به حال يوم القيامة ، ثم تلا قوله تعالى ( وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا ) سورة طه/108 .

 وقال قتادة: ” بلغنا أن أبا الدرداء رضي الله عنه ، نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له: أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يُشغلك عن الضحك ” .

وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا فما يزيده على السلام ثم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه . ذكر هذه الآثار السيوطي ثم قال: ” فهذا خوف هؤلاء السادات من الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون ، وما يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته ” الأمر بالإتباع ص255 .

 وأخيراً نختم بما قاله الإمام النووي رحمه الله ، قال: ” يستحب له – أي الماشي مع الجنازة – أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه ، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها ، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه ، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والإشتغال بالحديث الفارغ ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال .

واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك ، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ولا تغترن بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ، الأذكار ص136 .