الدعاء بالجماعة لا بأس به، لأن الاجتماع على الطاعة مشروع، لأنه يعين عليها.
يقو ل الأستاذ الدكتور /رفعت فوزي عبد المطلب : لا بأس من ذلك، فإذا كان الإسلام يحبِّذ القيام بالشعائر في جماعة ويجعل لها فضلاً، كالصلاة في جماعة، وشهر رمضان يصوم فيه جماعة المسلمين، والحج يقوم به المسلمون مجتمعين، وهكذا، فقيام المسلم بالعبادة في جماعة أفضل من قيامه بها منفردًا. وكذلك الدعاء لا بأس أن يكون في جماعة فهو أفضل من أن يقوم به الفرد، وفي هذا أيضًا عونًا على الدعاء الذي هو من أفضل العبادات. أ.هـ
ويقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى-: وردت نصوص في فضل الإسرار بالذكر والدعاء عامة، منها قوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) [الأعراف: 205] وقوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين) [الأعراف: 55] وروى مسلم عن أبي موسى قال: كنا مع النبي ﷺ في سفر –وفي رواية في غزاة –فجعل الناس يجهرون بالتكبير- وفي رواية: فجعل كلما علا ثنية قال: لا إله إلا الله – فقال رسول الله ﷺ: “أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم لستم تدعون أصما ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم” وقال الرسول ﷺ: (خير الذكر الخفي) وقال “السر بالقرآن كالسر بالصدقة”.
كما وردت نصوص في فضل الجهر بالذكر عامة، منها الحديث القدسي الذي رواه البخاري: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه” والذكر في الملأ لا يكون غالبًا إلا عن جهر، كما صح في مسلم وغيره أن الملائكة تحف مجالس الذكر، وبخاصة في بيوت الله، وإن الله يغفر لمن يجالسون الذاكرين لله. وأخرج البيهقي أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته!! فقال رسول الله ﷺ: “دعه فإنه أواه” وأخرج الحاكم عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي ﷺ: “من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتًا في الجنة.
وقد جمع النووي بين نصوص الجهر ونصوص الإسرار فقال: إن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام، والجهر أفضل في غير ذلك، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد النشاط.
وقال بعضهم: يجب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر. والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار. ا هـ.
وذلك كله في غير التعليم وفيما إذا كان الدعاء جماعيًا كما في صلاة الاستسقاء والقنوت مثلاً، فالجهر أفضل.
وما سبق هو في الذكر والدعاء عامة، أما بخصوص ما بعد الصلاة فقد وردت نصوص في الجهر منها قول ابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه البخاري ومسلم: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ بالتكبير. وفي رواية لمسلم: كنا… وفي رواية لهما عنه أيضًا أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله ﷺ. وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا إذا سمعته. ومعنى هذا أن الناس الذين كانوا يصلون خلف النبي ﷺ، وبخاصة من يكونون في الصفوف الخلفية لا يسمعون عبارة “السلام عليكم” التي ينتهي بها الرسول من الصلاة فيظلون منتظرين حتى يفرغ الرسول منها ويشرع في ختام الصلاة بالتكبير والتسبيح والتحميد وما إلى ذلك، أي أنه صوته كان مرتفعًا فسمعوه.
وورد في الإسرار بختام الصلاة ما رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله ﷺ، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم في قبة لهم، فكشف الستور وقال: “ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة” أو قال “في الصلاة”.
وبناء على هذه النصوص اختلف الفقهاء، في حكم الجهر بالذكر عقب الصلوات، فمنهم من قال: لا بأس به، بناء على ما رواه ابن عباس، ومنهم من قال بكراهته، بناء على ما رواه أبو سعيد الخدري.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم “ج5 ص84” تعقيبًا على حديث ابن عباس: هذا دليل لما قاله بعض السلف: إنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري.
ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرها متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير. وحمل الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث –حديث ابن عباس- على أنه جهر وقتًا يسيرًا حتى يعلمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا دائمًا. قال فاختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيا ذلك، إلا أن يكون إمامًا يريد أن يتعلم منه فيجهر، حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا.
والذي نختاره، بعد عرض هذا الكلام المبني على النصوص العامة والخاصة بالذكر بعد الصلاة، هو الإسرار بالذكر، لأنه أعون على الإخلاص، وفيه عدم تشويش على المصلين الآخرين، وذلك في الأوساط الإسلامية العارفة بختام الصلاة، أما في المجتمعات الإسلامية الحديثة العهد بالإسلام فإن الجهر يكون أفضل للتعليم، وذلك بصفة مؤقتة ثم يكون الإسرار بعد ذلك هو الأفضل.
وليس المراد بالسر أن يكون همسًا لا يسمع الإنسان نفسه، ولكن المراد ألا يشوش به على غيره.
يقول الشيخ محمد بخيت المطيعي – رحمه الله تعالى -: وختم الصلوات بالذكر والأدعية المأثورة عن رسول الله ﷺ مندوب مرغب فيه شرعًا ما دام الذكر والدعاء منها وسطًا لا إلى إفراط بحيث يجهد نفسه ويزعج غيره، ولا إلى تفريط بحيث لا يسمع نفسه بل يكون كما قال الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً) [الإسراء: 110] ا هـ.
وأما قوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين) [الأعراف: 55] فهو في الدعاء وليس في مطلق الذكر فإن الدعاء بالذات يفضل فيه الإسرار، لأنه أقرب إلى الإجابة، قال تعالى: (إذ نادى ربه نداء خفيًا) [مريم: 3] إلا إذا كان في جماعة ليعلمهم أو ليكون الدعاء مطلوبًا من الجميع فالجهر أفضل، كما في صلاة الاستسقاء والقنوت، والاعتداء في الدعاء فسر بأنه تجاوز المأمور به، أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع.