من المعلوم أن الجمال محبَّب للنفس إذا وُصف به أي كائن في الوجود، وله حاسّة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواسّ الخمس، وجالت في فنونه أقلام الكتّاب وآراء الباحثين، ولا عجب في ذلك، فالله جميل يُحِبُّ الجَمالَ، كما في الحديث الذي رواه مسلم.
وجمال المرأة بالذّات له خطره وأهميّته في حياة الأفراد والأمم، فكم رَبَطَ بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج، وكم فرّق بينهما إثر تنافُس انتهى بقِتال، وكم جدَّتْ في الأسر مَشاكل غيرة منه وتحزُّبًا ضده، وكم أطلق ألسنة العشّاق بروائع المنظوم والمنثور، وكم خلِّدت آثار في الفن والأدب كان هو ملهمها الأول، وواضع قصّتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود.
وتجمل الزوجة لزوجِها من أهم الوسائل لكمال مُتعته بها وحبِّه لها، والحديث الذي رواه ابن ماجه يقول ” ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرَها أطاعتْه، وإن نظر إليها سَرَّتْه ، وإنْ أقسَمَ عليها أَبَرَّتْه ، وإن غاب عنها نصحتْه في نفسها ومالِه .

ومظاهر التجمُّل كثيرة، منها جمال الشعر الذي لا ينكر أثره في إعجاب الرجل بالمرأة، وفي تفنُّن الشعراء والأدباء في التغنِّي والغزل به، فما حرّك أساطيل اليونان قديمًا في حرب ” طروادة ” إلا الشَّعر المعقوص المضفَّر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة ، وما سحر البلاط الفرنسي ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شَعر مدام بومبادور، وما نَسِيَ فحل الشعراء في الجاهلية أن يضمِّن معلقته غزلاً في شعر كهدّاب الدِّمَقْسِ المُفَتَّل ، وما كان لأمير الشعراء في العصر الحديث ليلانِ إلا عند جارة الوادي ، فرعُها والدُّجى.
والإسلام عُنِيَ بجمال الشعر: ترجيلاً أي تمشيطًا، وتصفيفًا أي تنظيمًا في ضفائر وغدائر ونحوها، وتهذيبًا بالتقصير والتطويل والتلميع، وتطييبًا بالدهن المعطر والروائح الطيبة ، فهو القائل في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود ” إذا كان لأحدكم شعر فليُكرمْه ” وهو عام في الرجال والنساء .

حكم قص الشعر للمرأة؟

قصّ الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعًا، فقد كان أزواج النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ يأخذن من شعر رؤوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم.
والوَفْرة ما قَصُر عن اللِّمّة أو طال عنها، واللِّمّة ما يُلَمُّ من الشعر بالمِنكبين كما قاله الأصمعي. [ هناك خلاف في تحديد معنى الوفرة واللمة والجُمَّة موجود في ” نيل الأوطار ” ج1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج2 ص 207 ].
وقد قَصَّر أزواج النبي ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ من شعورهن بعد وفاته ، لتركهن التزيُّن واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفًا لمئونة رؤوسهن كما قاله القاضي عياض وغيره، ولم يكن ذلك في حياته.

هذا، وقد روى النسائي عن على رضي الله عنه قال : نهى رسول الله أن تحلِق المرأة رأسها. والحلق هو إزالته بالمرّة، وذلك لا يَليق بالمرأة فهو من خصائص زينتِها، أو المراد النَّهي عن حلقِه عند المصائب كالحُزن على وفاة زوْج أو ولد .

لكن محل جواز تقصير شعرِها إذا كان بإذن الزوج ، فهو صاحب حق فيه لمتعته ، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبي أو اطلاعه عليه، وألا تقصد به التشبُّهَ بالرِّجال، فالأعمال بالنِّيّات .

حكم لبس الباروكة للمرأة”

الشعر المُستعار ” الباروكة ” ورد فيه أن امرأة قالت للنبي ـ ـ : إن لي ابنة عُرَيِّسًا ـ تصغير عروس ـ أصابتها حصبة فتمزَّق شعرُها، أفأصِلُه ؟ فقال ” لعنَ الله الواصلة والمُستوصِلة ” رواه ومسلم .

وبعد كلام العلماء في شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغِش والتدليس، وهو ما يُفهم من السبب الذي لُعنتْ به الواصلة والمُستوصِلة.

ومبنيٌّ أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببًا في هلاك بني إسرائيل حين اتّخذه نساؤهم. وكن يَغْشَيْنَ بزينتِهِنَّ المجتمعاتِ العامّة والمعابد كما رواه الطبراني .

هذا ، وجاء في كتب الفقهاء : أنَّ لبس الشعر المستعار حرام مطلقًا عند مالك ، وحرام عند الشافعيّة إن كان من شعر الآدمي، أو شعر حيوان نجِس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعيّة فهو جائز إذا كان بإذن الزوج.

وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعي بشرطين:

-عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه.

-وعدم استعماله لغيره هو.

ومن هذا يُعلم أن تصفيف شعر المرأة عند ” الكوافير ” الرجل الأجنبي حرام ، وأن لبسها ” الباروكة ” عند الخروج ، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام .