من المعروف أن خُطْبة الجُمُعة خُطْبَة واحدة ولها ركنٌ واحد عند أبي حنيفة وهو مُطلق الذكر قليلاً كان أو كثيرًا، فيكفي أن يُسبِّح مرة واحدةً أو يحمد الله مرة واحدة، وكذلك عند مالك لها ركن واحد وهو نصيحة تشتمل على تحذير أو تبشير كقوله: “اتَّقُوا اللهُ ولَا تعصوه.

أما عند الشافعي فخُطبتان ولهما أركان خمسة، حمد الله والصلاة على النبي ـ ـ والوصية بالتقوى، وقراءة آية في إحداهما والأولى أولى والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثانية، وعند أحمد الأركان أربعة، حمد الله ، والصلاة على النبي ـ ـ وقراءة آية، والوصية بالتقوى.
والجلوس بين الخُطبتين جاء في صحيح مُسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله ـ ـ يخطب يوم الجُمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم. وعن جابر بن سُمرة قال: كانت للنبي ـ ـ خُطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويُذَكِّر الناس. وقال أيضًا. كان يخطب قائمًا ثم يجلس ثم يقوم فيخطُب قائمًا. فمن نبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كَذَبَ. يقول النووي في شرح لصحيح مسلم “ج 5 ص 149” وفي هذه الرواية دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خُطْبة الجُمُعة لا تصحُّ، من القادر على القيام إلا قائمًا في الخُطبتين، ولا يصحُّ حتى يجلس بينهما. وأنَّ الجمعة لا تصحُّ إلا بخطبتين. قال القاضي ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخُطبتين لصحة الجمعة، وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خُطْبة، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخُطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه، وقال أبو حنيفة: يصحُّ قاعدًا وليس القيام بواجب، وقال مالك: وهو واجب لو تركه أساء وصحت الجمعة.

وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور: الجلوس بين الخُطْبتين سُنَّة ليس بواجب ولا شرط ومذهب الشافعي أنه فرض وشرطٌ لصحة الخُطبة.
قال الطحاوي: لم يقل هذا غير الشافعي، ودليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله ـ ـ مع قوله ـ ـ “صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي” ثم ذكر النووي ما تحقق به الخُطبة.

واختلاف الفقهاء رحمة في هذا الموضوع وغيره.