المفْروض في المصلِّي أن يُحس بأنَّه واقف بين يدي الله يناجيه بالمدح والثناء ويدعوه بالهداية والمغفرة، ويَظهر له عمليًّا خُضوعه وخشوعه وتواضعه بالركوع والسجود، ولا يوجد موقف للإنسان يَستحقُّ الاهتمام كهذا الموقف، ومِن هنا كان عليه أن يكون ساكن الجوارح في غير ما شُرع له، لا يَعبث بِلِحْيَتِه ولا يُنَسِّق من ملابسه مثلًا، ولا يَبْرح مَكانه ولا يعمل إلا ما أذن له فيه من مثل رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه، ومثل الركوع والسجود والالتفات عند الانصراف من الصلاة بالتسليم. وللفقهاء كلام في ضبط الأفعال التي الصلاة، فاتَّفقوا على أنَّ من المُبْطلاتِ العملُ الكثير الذي ليس من جنس الصلاة، وهو ما يُخيَّل إليه أن فاعله ليس في الصلاة، وهذا العمل الكثير مبْطل للصلاة سواء وقع عمدًا أو سهوًا، وأما ما دون ذلك فلا يُبطلها.
جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: أنَّ الشافعية حدَّدوا العمل الكثير بنحو ثلاث خُطُوات مُتواليات يقينًا وما في معنى هذا، كوَثْبة واحدة كبيرة، ومعنى تواليها لا تُعَدُّ إحداها منقطعة عن الأخرى على الراجح. وأن الحنفية قالوا: العمل الكثير ما لا يَشك الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة فإنِ اشتبه الناظر فهو قليل على الأصح. وأن المالكية قالوا: ما دون العمل الكثير قسمان: قسم متوسط كالانصراف من الصلاة، وهذا يُبطل عَمْدُه دون سهْوِه، وقسم يسير جدًّا كالإشارة وحكِّ البشرة، وهذا لا يُبْطِل عَمْدُه ولا سهوُه.