التصفيق أنواع متعددة ، ويتوقف الحكم على كل منها حسب النوع ، والمحظور هو ما كان من قبيل العبادة فقط ، أما ما كان من قبيل تنبيه الإمام في الصلاة أو الطرب والإعجاب فجائز ، لان التصفيق في الصلاة للنساء جائز بالنص، والتصفيق للطرب والاستحسان جائز لعدم ورود نص مانع من هذا ، والأصل في العاديات الحل.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

التصفيق: ضرب اليد باليد حيث تحدث صوتا مسموعا، وإذا تكرر أحدث صوتا منتظما، وفي الأمثال: اليد وحدها لا تصفق.
والناس يستعملون التصفيق لعدة مقاصد:
الأول:

التنبيه، كما إذا دخل أحد دار أحد، وأراد أن ينبه صاحب الدار أو أهل الدار، صفق بيديه، ليلعمهم أنه موجود.
وهذا ما جاء به الحديث في الإذن للمرأة المسلمة إذا صلت مأمومة، وقد أخطأ الإمام، وأرادت أن تنبهه من خلف الصفوف: أن تصفق بيديها، ليعيها الإمام، إن أخطأ ويراجع. وفي الصحيح: ” من رأبه شيء في صلاته فليسبح (أي ليقل: سبحان الله) فإنه إذا سبح التُفت إليه، وإنما التصفيق للنساء “.( متفق عليه عن سهل بن سعد، كما في اللؤلؤ والمرجان (243 )
وفي حديث آخر: ” التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ” متفق عليه عن أبي هريرة كما في اللؤلؤ والمرجان (244). أي داخل ا لصلاة.
الثاني:
الإطراب، كأن يستخدم مساعدا للدف ونحوه من الآلات بصورة منتظمة كأنها موزونة، كما نشاهد ذلك في الأغاني الخليجية وغيرها.
الثالث:
الاستحسان، كما نشاهد في تصفيق الجمهور حين يلقي الشاعر قصيدة، أو يلقي الخطيب خطبة تهز المشاعر، فما أن يفرغ الشاعر أو الخطيب من إلقاء قصيدته أو خطبته أو جزء مهم منها، حتى تضج القاعة بالتصفيق.
الرابع:

التعبد، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية العربية من مشركي قريش وأمثالهم من الصفير والتصفيق عند المسجد الحرام، وهو ما أنكره عليهم القرآن الكريم حين قال: (وما كان صلاتهم عند المسجد إلا مكاء وتصدية) الأنفال: 35.
قال القرطبي:
قال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالبيت عراة، يصفقون ويصفرون، فكان ذلك عبادة في ظنهم. والمُكَاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، قاله مجاهد والسدي وابن عمر.
وعن قتادة: المُكاء: ضرب بالأيدي. والتصدية: صياح. (أي عكس ما جاء عن مجاهد). تفسير القرطبي (7/400
والأول من هذه المقاصد لا شك في مشروعيته، ولا أحد يجادل فيه. والرابع: لا شك في إنكاره ومنعه، لأنه شرع في الدين بما لم يأذن الله به.
وقد يلحق به ما يفعله بعض الصوفية، كما قال القرطبي: فيه رد على الجهال من الصوفية الذين يرقصون ويصفقون. وذلك كله منكر يتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت.
وللإمام المجتهد عز الدين بن عبد السلام كلام نفيس في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) فقد عرض فيه لمسألة سماع الصوفية، وحرر فيه كلاما في غاية التوازن والاعتدال، ثم إنه ـ وإن أباح بعض أقسام السماع ـ حط على من يرقص ويصفق عنده فقال:
وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة، مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذاب.

وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام : { إنما التصفيق للنساء} ولعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق ، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل ، ولا يصدران من عاقل فاضل ، ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء ، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء ، وقد قال تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } النحل : 90. وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك ، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه ، فإن كان ممن يقتدى به، ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع؛ لإيهامه أن هذا من الطاعات ، وإنما هو من أقبح الرعونات.أهـ كلامه. قواعد الأحكام في مصالح الأنام ( 2 / 349 ،350).

التصفيق للطرب أو للاستحسان:
بقي الأمران: الثاني والثالث فيما ذكرناه من مقاصد التصفيق، وهو التصفيق للهو والطرب أو التصفيق لإبداء الإعجاب والاستحسان. ما الحكم الشرعي فيهما؟ وماذا يقول الفقه المعاصر عنهما؟
الحق أني لا أجد في نصوص الشرع المحكمات من القرآن والسنة، ما يدل على تحريم أحدهما أو المنع منه.
ربما استدل بعضهم بآية سورة الأنفال (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) ولكن هذا الاستدلال في غير محله، لأن هذا فيمن يتعبد بالتصفيق، ولا يوجد هنا مظنة تعبد.
وربما استدل آخرون بقوله ” إنما التصفيق للنساء ” وقد منع الرجال من التشبه بهن، ولعن الرسول المتشبهين من الرجال بالنساء.
ومن المعلوم: أن الحديث إنما جاء في شأن التصفيق في الصلاة، فلا دلالة فيه على منع الرجال منه خارج الصلاة، وهذا ما ذكره العلامة ابن حجر الهيتمي. وذكر أيضا أن التشبه بهن إنما يحرم فيما يختص به النساء. وهذا ليس كذلك.
قال: وجريت في شرح الإرشاد على كراهة هذا…. والأصح فيه: الحلُّ. الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/201 )
بقي أن يقال: إن الاستحسان بالتصفيق عادة غير إسلامية، إنما هي تقليد غربي نقله من نقله عنهم، ونحن منهيون أن نتشبه بغير المسلمين.
والجواب: إننا منهيون أن نتشبه بهم فيما هو من خصائص دينهم وما يتعبدون به. أما ما كان من شؤون الدنيا، فلا مانع أن نقتبسه منهم، إذا لم يشتمل على محظور شرعي، أو مفسدة شرعية.