التصوف الإسلامي القويم هو أن يبلغ المؤمن درجة “الإحسان” التي هي أعلى الدرجات في التوجه إلى الله عز وجل، والتي يُشير إليها القرآن الكريم في قوله: (والذينَ جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسنينَ). (العنكبوت:69).

ولمعرفة “الإحسان” الذي هو أساس التصوف نتذكر أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال حينما سئل عن الإسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
وقال حينما سئل عن الإيمان: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وقال حينما سئل عن الإحسان: الإحسان أن تعبد الله كأنَّكَ تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فهناك إذن “إسلام” وهو الإذعان والاستسلام، والخضوع للدين عن طريق القول الظاهري، والنطق اللساني، وأداء العبادات. وهناك “إيمان” وهو التصديق بالقلب، والاعتقاد بالعقل، والاطمئنان في النفس إلى صدق ما يقول اللسان. وهناك “إحسان” وهو التوجه الكلي إلى الله، والتعلق الدائم به، والتفكير الموصول في صفاته وآياته، والمراقبة المستمرة لعظمته وجلاله، والمشاهدة المقيمة لأنواره وأضوائه، وهو: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.

والإسلام يتمثل في النطق بالشهادتين والعمل الظاهر، والإيمان يتمثل في اعتقاد القلب واطمئنان الفؤاد، والإحسان يتمثل في اليقين والإخلاص، وهذا الإخلاص هو لب التصوف وعماد أمره؛ ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم ـ وهو إمام من أئمة الصوفية، وزعيم من زعمائهم ـ حين يصف طريق التصوف: “أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك، وتستأنس إليه بقلبك وعقلك وجميع جوارحك، حتى لا ترجو إلا ربَّك، ولا تخاف إلا ذنبَك، وتُرسِّخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثر عليها شيئًا .

والإمام سهل التُسْتَرِي الصوفي يقول عن مبادئ التصوف: “أصولنا ستة: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأكل الحلال وكفُّ الأذى، واجتناب الآثام، وأداء الحقوق”.

ويقول الإمام الشعراني: “وقد أجمع القوم (يعني الصوفية) على أنه لا يصلح للتصدُّرِ في طريق الله عز وجل إلا مَن تبحَّر في علم الشريعة، وعلم منطوقَها ومفهومَها، وخاصَّها وعامَّها، وناسخَها ومنسوخَها، وتبحَّرَ في لغة العرب حتى عَرَف مَجازاتها واستعاراتها، وغير ذلك، فكل صوفي فقيه ولا عكس”. ويقول أيضًا: “لو قال الولِيُّ بما يخالف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتبع في ذلك، ولم يكن على بصيرة.

وللصوفية طائفة من الأخلاق الفاضلة الكريمة التي يحثُّ عليها الإسلام، ولا بد أن تكون لهم هذه المجموعة من مكارم الأخلاق؛ لأن عماد طريقتهم هو التأديب والتهذيب، وتطهير الروح، وتصفية النفس، والتحلي بالفضائل.

ومن أخلاق الصوفية التواضع؛ واحتمال الأذى من الخلق والسهوة ولِينُ الجانب، والكرم مع القناعة، وترك التكلف والجدال والغضب. ومن شعاراتهم القرآنية قول الله جل جلاله في سورة فصلت: (إنَّ الذينَ قالوا ربُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عليهمُ الملائكةُ ألاَّ تَخافُوا ولا تَحزنُوا وأَبشرُوا بالجَنَّةِ التي كُنْتُمْ تُوعدونَ . نحنُ أولياؤُكُمْ في الحياةِ الدُّنْيَا وفي الآخرةِ ولكمْ فِيهَا ما تَشتَهِي أنْفُسُكُمْ ولكمْ فيها ما تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِنْ غفورٍ رحيمٍ . ومَنْ أحسنُ قوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللهِ وعَمِلَ صالِحًا وقالَ إنَّنِي مِنَ المُسلمينَ . ولا تَسْتَوِي الحسنةُ ولا السيئةُ ادْفَعْ بالَّتِي هِي أحسنُ فإذا الذي بينكَ وبينه عداوةٌ كأنه وَلِيٌّ حميمٌ . وما يُلَقَّاهَا إلاَّ الذينَ صبرُواوما يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عظيمٍ). (الآيات: 30-35).