الحجر الأسود هو حجر موجود في ركن الكعبة، أُنزل من الجنة حين كان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يبنيان الكعبة المشرفة، وقد نزل أبيضاً، بل أشد بياضاً من اللبن، وقيل هو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، وجاء في مسند أحمد عن ابن عباس: (الحَجَرُ الأسودُ من الجنةِ وكان أشدَّ بياضًا من الثلجِ حتى سوَّدَتْهُ خطايا أهلِ الشركِ). ويقع في الركن الجنوبي من الكعبة المشرفة، ويرتفع عن الأرض بمقدار متر ونيف تقريبًا، وهو حجر بيضوي الشكل، لونه أسود مائل إلى الحمرة، ويبلغ قطره ثلاثين سنتيمترًا وعرض إطار الفضة الذي يحميه عشرة سنتيمترات.
تقبيل الرسول ﷺ للحجر الأسود:
مسألة تقبيل الرسول للحجر الأسود وشبهة أن الرسول يدعو لعبادة الأصنام ما هي إلا افتراءات للشيطان يلقيها على قلوب من أزاغوا بغية تضليل من هم على الحق.
وللجواب على هذه الشبهة نقول:
إن الإسلام هو دين الاستسلام والخضوع لله وحده، وتظهر الحكمة من تقبيل الحجر الأسود إظهار كمال الاستسلام لأوامر الله وحده.
وقد أمرنا الله بتقبيل الحجر الأسود، والمسلم دائما يقول سمعنا وأطعنا، فاستجابة لأمر الله يقوم المسلم بهذا التقبيل، وهنا تظهر قمة العبودية المحضة لأنه في الحج قد أمرنا بالطواف حول أحجار وهي الكعبة، وأمرنا بتقبيل حجر، وأن نضرب حجرا بحجر، في الرمي، وهنا قمة استسلام المسلم لأوامر ربه.
أما شبهة الدعوة للأصنام فإن الأصنام عندما كانت تعبد كان يظن فيها النفع والضر بذاتها وهذا أمر منتف في مسألة الحجر الأسود فالمسلم لا يتوجه للحجر ظانا في الحجر النفع والضر بذاته، ولكنه يتوجه إليه لأن الرسول توجه إليه، والرسول توجه إليه لأن الله أمر بهذا.
وقد أتى الإسلام بالبراءة من الشرك فالمسلمون يخلصون أعمالهم كلها لله وحده، لا يجوز صرف العبادة لأي مخلوق ، سواء أكان ملكاً مقرّباً أم نبيّاً مرسلاً ، فضلاً عن كونه حجراً لا يضرّ ولا ينفع .فأين هذا من قول من يدعي إنها دعوة للأصنام. وقد قرر الفاروق عمر هذا الأمر في خطابه للحجر:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك ” ، فقد الفاروق أراد أن يبيّن للناس أن هذا الفعل هو محض اتباع للنبي ﷺ ، وليس لأن الحجر ينفع أو يضرّ ، وعليه فإنه لا قدسية لأحجار الكعبة بذاتها ، وإنما اكتسب الحجر الأسود هذه المزية لأمر الله تعالى بتقبيله ، ولو لم يرد ذلك الأمر لم يكن لأحد أن يقوم بتقديسه أو تقبيله .
وننصح كل مسلم ألا يشغل نفسه ويضيع وقته بمتابعة أهل الشبهه والبدع في مثل هذه الأمور التي لا يقصدون من ورائها إلا إثارة الفوضى والبلبلة، وإيضا في عدم متابعتهم إهمال لهم وإماتة لما ينشرون.
جدوى حوار غير المسلم حول الحجر الأسود:
يقول الدكتور خالد بن عبد العزيز السيف عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
من أصول الحوار والمناقشة مع من لا يؤمن بالإسلام سواء كان يتبع أديان كتابية أو غير كتابية، أو لا يتبع ديناً أصلاً ؛ ألا يُناقش في الجزئيات والفرعيات، لأن النقاش فيها يضيع الوقت ولا يجلب فائدة تُذكر ، والأصل في ذلك البداءة في الأصول الكلية ، فمثلاً عند مناقشة اليهود والنصارى الأفضل البداءة بالقضايا الأساسية في هذه الأديان كنبوة محمد ﷺ وختم النبوة به ، ومسائل ألوهية المسيح والكتاب المقدس ، ومثل ذلك من الأصول الكلية في هذه الأديان ، وأيضاً الأديان غير السماوية مثل البوذية والهندوسية يحاورون في أصول دينهم، كأصل بوذا وأصل الهندوسية وآلهتهم وغيرها .
أما إذا كان المحاج لا يؤمن بالله أصلاً فالأولى أن يُبدأ فيه في الأصل وهو إثبات وجود الله ومناقشته، فيه فإذا أثبت وجود الله ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهو أثبات أن هذا الإله لما خلق الخلق لم يتركهم هملاً بل أرشدهم إلى الطريق الصحيح وذلك بوساطة رسل وأنبياء ، وهؤلاء الأنبياء كان مصداق نبوتهم إتيانهم بالمعجزات الخارقة لمجرى الطبيعة التي تبين أنهم أنبياء ، ومعجزاتهم حفظتها البشرية من أقدم العصور، ومن هؤلاء الأنبياء محمد ﷺ ، الذي أتى بالدين الإسلامي. وهذه الأدلة كلها عقلية تنفع مع من لا يؤمن بالقرآن .
أما من يقول أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود فهذه دعوى لا تقبل إلا بالدليل ، وعلى المدعي أن يأتي بالدليل وإلا سقطت دعواه ـ إن كان المدعي موضوعياً ـ وهذا الدليل يجب أن يكون من كتب المسلمين ومن مراجعهم العلمية المعتبرة، وأما الادعاء فمن السهولة أن يدعي أحد على أي أحد أنواعاً من الأقوال الكاذبة، ولكن يبقى المحك الأساسي هو الإثبات والتوثيق .
أما ما يعتقده المسلمون في الحجر الأسود حقيقة فكما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1210) من حديث عبد الله بن سرجس قال : (رأيت عمر بن الخطاب يقبِّل الحجر الأسود ويقول: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك “. فالمسلمون لا يعبدون الحجر ، ولا يقبلونه لكونه شيئاً آخر ؛ بل امتثالاً لسنة من يعتقدون أنه نبي، وأنه صادق من عند الله.