تأخير الزكاة عن وقت إخراجها الواجب لا يجوز إلا لحاجة داعية، أو مصلحة معتبرة تقتضي ذلك. مثل أن يؤخرها ليدفعها إلى فقير غائب هو أشد حاجة من غيره من الفقراء الحاضرين، ومثل ذلك تأخيرها إلى قريب ذي حاجة؛ لما له من الحق المؤكد، وما فيها من الأجر المضاعف.
وله أن يؤخرها لعذر مالي حلَ به، فأحوجه إلى مال الزكاة، فلا بأس أن ينفقه ويبقى دينًا في عنقه، وعليه الأداء في أول فرصة تسنح له.
قال شمس الدين الرملي: وله تأخيرها لانتظار أحوج أو أصلح أو قريب أو جار؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر وهو حيازة الفضيلة، وكذلك ليتروى حيث تردد في استحقاق الحاضرين، ويضمن إن تلف المال في مدة التأخير. لحصول الإمكان، وإنما أخر لغرض نفسه، فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة، ولو تضرر الحاضر بالجزع حرم التأخير مطلقًا؛ إذ دفع ضرره فرض، فلا يجوز تركه لحيازة فضيلة (نهاية المحتاج: 2/134).
واشترط ابن قدامة في جواز التأخير لحاجة أن يكون شيئًا يسيرًا، فأما إن كان كثيرًا فلا يجوز، ونقل عن أحمد قوله: لا يجرى على أقاربه من الزكاة في كل شهر. يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئًا، فأما إن عجلها فدفعها إليهم، أو إلى غيرهم، متفرقة أو مجموعة جاز؛ لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كان عنده مالان أو أموال زكاتها واحدة، وتختلف أحوالها، مثل أن يكون عنده نصاب، وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب، لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها؛ لأنه يمكنه جمعها، بتعجيلها في أول واجب منها (المغني: 2/685).
وكذلك صرح بعض المالكية: أن تفريق الزكاة واجب على الفور، وأما بقاؤها عند رب المال، وكلما جاءه مستحق أعطاه منها، على مدار العام، فلا يجوز (حاشية الدسوقي: 1/500).
وللإمام أو من ينوب عنه من الموظفين المسئولين، في جمع الزكاة أن يؤخر أخذها من أربابها لمصلحة كأن أصابهم قحط نقص الأموال والثمرات.
واحتج الإمام أحمد على جواز ذلك بحديث عمر: أنهم احتاجوا عامًا فلم يأخذ منهم الصدقة فيه وأخذها منهم في السنة الأخرى (انظر: مطالب أولي النهي: 2/116).
وقد ذكر أبو عبيد عن ابن أبي ذباب. أن عمر أخر الصدقة عام الرمادة (وكان عام مجاعة) فلما أحيا الناس (أي نزل عليهم الحيا: وهو المطر) بعثني فقال: اعقل فيهم عقالين، فاقسم فيهم عقالاً وائتني بالآخر (الأموال ص374)، والعقال: صدقة العام.
وكان ذلك من حكمة عمر -رضي الله عنه- وحسن سياسته ورفقه بالرعية، فأخر الزكاة عن الممولين في عام المجاعة، كما درأ القطع عن السراق في مثل هذا العام فقال: (لا قطع في عام سنة) (المرجع السابق ص559)، والسنة: القحط.
وفي حديث أبي هريرة المتقدم في تعجيل الزكاة: أن النبي -ﷺ- قال معتذرًا عن تأخير العباس لصدقته: (هي عليَّ ومثلها معها). قال أبو عبيد: أرى -والله أعلم- أنه أخَّر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت للعباس، وللإمام أن يؤخر على وجه النظر ثم يأخذه (نيل الأوطار: 4/159).