كلمة بقية وردت ثلاث مرات: الأولى في سورة (البقرة 248) في قوله تعالى: (إنَّ آيةَ مُلكِه أنْ يأتيَكم التابوتُ فيه سكينةٌ منْ ربِّكم وبقيةٌ مما ترَكَ آلُ موسى وآلُ هارونَ تَحملُه الملائكةُ) والثانية (بقيةُ اللهِ خيرٌ لكم) (هود: 86). والثالثة في سورة هود أيضًا، في قوله تعالى (هود: 116): (فلولا كان من القرونِ مِنْ قبلِكُم أولو بقيةٍ يَنْهَوْن عن الفسادِ في الأرضِ).
وأما بقية التصاريف فقد وردت كثيرًًا.
أما تفسير الآية :ـ
فنبيّ الله شعيبً ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ أرسله الله في قبيلته مَدْيَنَ الواقعة بين الحجاز والشام يدعوهم إلى توحيد الله وعدم إنقاص الكيل والميزان، كما نهاهم عن الإفساد في الأرض وحذرهم إن لم يستجيبوا له العذابَ المحيطَ في الدنيا والآخرة. وها هو في هذه الآية الكريمة يستميلُهم إلى أن يستجيبوا له بوعدهم أن الباقيَ لهم من مال ومتاع بعد أن يتعاملوا بالعدل خيرٌ لهم مما يجمعونه بالظلم؛ لأن المؤمن على يقين من أن الكثرة من البركة وليست البركة من الكثرة، وأن ما عند الله خير وأبقى. ويُنهي مقالته بأنه ليس مهيمنًا عليهم وأنه يريد الإصلاح ما استطاع.
و(بقية الله) كلمة بُدئت بها هذه الآية الكريمة، فما المراد بها؟ وما المعنى اللغويّ لهذه الكلمة؟
المراد بـ “بقية الله” في هذه الآية والله أعلم: ما أُبقيَ لكم من الحلال. أو المراد بها طاعة الله عز وجل، أو انتظار ثوابه، أو الحالة الباقية لكم من الخير. وإن كنا نميل إلى الأول، وهو: ما أُبقيَ لكم من الحلال. وكلمة “بقية” من: بقيَ يبقى كرضي يرضى، أو من بقَى يبقى كسعى يسعى. معناها العام: ضد الفناء (كلُّ مَن عَليها فَانٍ ويَبقَى وجهُ ربِّك ذو الجَلالِ والإكرام) والبقية: العلم والفضل. قال تعالى في سورة (هود: 116): (فلولا كان من القرونِ مِن قَبْلِكم أولو بَقِيةٍ يَنْهَوْن عن الفسادِ في الأرضِ) أي أصحاب دين وفضل.
والبقية كذلك ما تبقَّى، قال تعالى في سورة (البقرة: 248): (وقال لهم نبيُّهم إنَّ آيةَ مُلْكِهِ أنْ يأتيَكم التابوتُ فيه سَكِينةٌ مِن ربِّكم وبقيةٌ مما ترَكَ آلُ موسى وآلُ هارونَ تَحْمِلُه الملائكةُ) ويقال للشيء يثبت بعد غيره: بقي. قال تعالى في سورة (الرحمن: 27): (ويبقى وجهُ ربِّك) والشيء الباقي هو الثابت، قال تعالى في سورة (النحل 96): (ما عِنْدَكم يَنفَدُ وما عِنْدَ اللهِ باقٍ) والباقية الثابتة، قال تعالى في سورة (الزخرف 28): (وجعلها كلمةً باقيةً في عَقِبِهِ لعلَّهُم يَرْجِعون) أي جعل إبراهيمُ ـ عليه السلام ـ كلمةَ التوحيد باقيةً في ذريته فلا يزال فيهم مُوحِّد؛ لعل أهل مكة يرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم.