جمهور الفقهاء على أن الوصية لا تجب إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه، أما عدا ذلك فإنها مستحبة، وخالف في ذلك ابن حزم فقال إن الوصية واجبة في جميع الأحوال، وإذا كان ولي الأمر المسلم قد تبنى الرأي القائل بوجوبها فإنه يكون اجتهادا ملزما لا يسع المسلم إلا العمل به، والأولى لمن مات ابنه في حياته أن يوصي لأحفاده طواعية قبل موته حفظا لهم من الضياع، وحتى لا يكونوا في حاجة للوقوف أمام أبواب المحاكم.
معنى حجب الحرمان وحكم العمل به؟
يقول سماحة المستشار فيصل مولوي –رحمه الله تعالى -نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:
حجب الحرمان معناه أن يحرم الوارث من الإرث حرماناً كاملاً إذا وجد بين الورثة من هو أقرب منه إلى الميت.
هذه قاعدة وضعها الفقهاء، لكنها مأخوذة من حديث رسول الله ﷺ الصحيح ” ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت فلأولى رجل ذكر” متفق عليه.
ومعنى هذه القاعدة أنه إذا توفي الأب في حياة الجد، فإن أولاده يأخذون ميراث أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإذا توفي الجد بعده، فإن الأحفاد لا يرثون منه، بل يرثه أبناؤه الذين لا يزالون أحياء. والابن المتوفى لا نصيب له باعتباره ميتاً. وأولاده محجوبون بأعمامهم فلا يرثون شيئاً. وقد يكونون صغاراً وأكثر حاجة من أعمامهم الكبار.
ومن هنا جاء البحث عن حل لهذه المشكلة.
ونحن نقول: إن الإرث مبني على القرابة للميت، وليس على الحاجة، وإن مراعاة حاجة الأقرباء الذين لا يرثون مشروعة، وقد تكون مطلوبة، لكن طريقها الوصية وليس الإرث.
والوصية كما هو معلوم تصح بحدود ثلث التركة لكنها لا تتم إلا بإرادة حريصة من المتوفى قبل وفاته.
والذي أعرفه أن قانون الأحوال الشخصية المصري أخذ بفكرة (الوصية الواجبة) وهي تحل المشكلة عن طريق افتراض أن الجد كان يريد أن يوصي لأحفاده المحرومين لكن عاجله الموت، أو غفل عن هذا الأمر، ولو كان متنبهاً لأوصى لأحفاده؛ لذلك فإن القانون يحل محله، ويعطي الأحفاد مثل حصة (أبيهم المتوفى أو أمهم المتوفاة) لو كانا حيين على أن لا يزيد عن الثلث.
ومن الواضح أن (الوصية الواجبة) ألغت حجب الحرمان في هذه الحالة بشكل كامل – وقد يكون القانون اعتمد على فتوى من دار الإفتاء ولكني لا أعلم بذلك – وأن هذا الإلغاء تم تحت ستار الوصية.
والأصل في الوصية أن تتم بإرادة الميت وليس نيابة عنه، فهي اجتهاد جريء قد يحل المشكلة، لكنها مبنية على دليل ضعيف من الناحية الأصولية. وهو مذهب ابن حزم، الذي يعتبر الوصية للأقربين غير الورثة واجبة وليس مندوبة. لكننا نقول أنه: على افتراض أن الوصية واجبة فإن الميت إذا ترك هذا الواجب يأثم، أما أن يحل آخر مكانه فيوصي بالنيابة عنه فهذه مسألة غير معقولة.
لكن الذين أخذوا بهذا الاجتهاد رجحوا (المصلحة الشرعية). باعتبار أن مثل هذه الحالة لا تتلاءم مع مقاصد الشريعة ومصالح الناس. خاصة وقد ضعف الالتزام الديني في هذا العصر، وأصبح أكثر الناس لا يوصون. كما أن الأعمام – وهم مسؤولون عن نفقة أولاد أخيهم المتوفى – أصبحوا يتهربون من ذلك حتى لو صدرت به أحكام قضائية. مما يقتضي إيجاد حل لذلك.
ولم يجدوا أفضل من (الوصية الواجبة). وبما أن قاعدة الحجب من قواعد الميراث هي اجتهاد مبني على النص.
وبما أن (الوصية الواجبة) هي أيضاً اجتهاد مبني على نص آخر، وتعالج مشكلة قائمة مع مراعاة مقاصد الشريعة ومصالح الناس، وقد تبناها ولي أمر المسلم في أكثر من بلد إسلامي، فقد أصبحت اجتهاداً ملزماً، ولا حرج على المسلم في تنفيذها، وإن كنت أعتقد أن الدليل غير كاف.
وفي جميع الأحوال: أنصح الجد في مثل هذه الحالة أن يكتب وصيته. فإن أعطى أحفاده، فيأخذون نصيبهم بناء على وصيته، وليس بناء على القانون. وهذا أفضل. وإن أوصى لغيرهم نفذت وصيته، ولم يعد بالإمكان تطبيق الوصية الواجبة. انتهى كلام الشيخ.
ما هو حكم الوصية؟
أما عن خلاف الفقهاء في حكم الوصية فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين , أو عنده وديعة , أو عليه واجب يوصي بالخروج منه , فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات , وطريقه في هذا الباب الوصية , فتكون مفروضة عليه , فأما الوصية بجزء من ماله , فليست بواجبة على أحد , في قول الجمهور .
وبذلك قال الشعبي , والنخعي , والثوري , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي , وغيرهم .
وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الوصية غير واجبة , إلا على من عليه حقوق بغير بينة , وأمانة بغير إشهاد , إلا طائفة شذت فأوجبتها.
روي عن الزهري أنه قال : جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية ؟ قال : إن ترك خيرا.
وقال أبو بكر عبد العزيز : هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون، وهو قول داود، وحكي ذلك عن مسروق , وطاوس , وإياس , وقتادة , وابن جرير . واحتجوا بالآية , وخبر ابن عمر , وقالوا : نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين , وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين.
ولنا, أن أكثر أصحاب رسول الله ﷺ لم ينقل عنهم وصية, ولم ينقل لذلك نكير , ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك , ولنقل عنهم نقلا ظاهرا , ولأنها عطية لا تجب في الحياة , فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب . فأما الآية , فقال ابن عباس : نسخها قوله سبحانه: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون).
وقال ابن عمر: نسختها آية الميراث، وبه قال عكرمة , ومجاهد , ومالك , والشافعي .
وذهبت طائفة ممن يرى نسخ القرآن بالسنة , إلى أنها نسخت بقول النبي ﷺ: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث). وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب , أو عنده وديعة .