إن كان الهدي واجبًا لترك واجب من واجبات الحج ، كالميقات، أو لفعل محظور من محظورات الحج التي يترتب عليها فساد الحج مثلاً كالزواج أو الاستمتاع الكامل بين الزوجين .. فإنه يجب الذبح عن طريق التوكيل ، إن لم يستطع هو بنفسه.

وإن كان الهدي من المستحب، وهو الأضحية المسنونة، فإنها لا تأثير لها في صحة فريضة الحج .

الذبائح التي تجب على الحاج:

الذبائح التي تجب على الحاج ، هي على أنواع :
النوع الأول : هدي التمتع والقران ، فمن حجّ متمتعا ، أو قارنا ، وجب عليه أن يذبح هديا ، متى كان واجدا له ، وإلا صام بدلا عنه . قال الله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) البقرة /196 .

ومحل ذبح هذا الهدي هو الحرم المكي .

جاء في ” الموسوعة الفقهية ” :
اتفق الفقهاء على أن دماء الهدي – عدا الإحصار – يختص جواز إراقتها بالحرم ، ولا يجوز ذبح شيء منها خارجه ؛ لقوله تعالى في جزاء الصيد : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) ، وقوله تعالى : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ، ولقوله : ( نحرت هاهنا ، ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ) ، وقوله : ( كل فجاج مكة طريق ومنحر ) ” انتهى .
والواجب في لحمه : أن يوزع منه على فقراء الحرم ومساكينه ، ويجوز نقل شيء منه لخارج الحرم للأكل والإهداء .

النوع الثاني : ما ذبح لترك واجب ، فمن ترك واجبا من واجبات الحج ، فإنه يجبر هذا النقص الحاصل بأن يذبح شاة .
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : ” مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئاً ، أَوْ تَرَكَهُ ، فَلْيُهْرِقْ دَماً ) رواه الإمام مالك في ” الموطأ ” .

وهذا الذبح يجب أن يكون في الحرم ، ويوزع لحمه في الحرم أيضا .

النوع الثالث : ما يذبح بسبب فعل الحاج لمحظور من محظورات الإحرام .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وفعل ما يحرم : ثبت بالنص القرآني أن فيه نسكا ، قال الله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة/196 ” انتهى.

فإذا وجب عليه نسك ، فإنه مخير بين ذبحه وتوزيعه في مكان فعل المحظور ، سواء كان هذا المكان داخل الحرم أو خارجه ، وبين ذبحه وتوزيعه في الحرم .
فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَقَالَ : ( أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ . فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا ، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ الفِدْيَةَ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً ، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ” رواه البخاري ، ومسلم .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” وما جاز أن يذبح ويفرق خارج الحرم حيث وجد السبب ، فإنه يجوز أن يذبح ويفرق في الحرم ، ولا عكس ” انتهى .

ومن هذا النوع : البدنة التي تلزم المحرم ، إذا جامع امرأته قبل التحلل الأول.

النوع الرابع : ما يذبح بسبب الإحصار ( وهو أن يمنعه مانع من إكمال حجه ) .
قال الله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196 .

فهذا حكمه حكم النوع السابق ، فإنه يذبح هديه في مكان إحصاره ؛ لأن النبي لما منع من دخول مكة زمن الحديبية نحر هديه خارج الحرم .

ويجوز أيضا : ذبحه وتوزيعه داخل الحرم :
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ ” رواه البخاري.

النوع الخامس : ما يذبح جزاء للصيد . فهذا يجب أن يذبح ويفرق داخل الحرم ، ولا يجزئ خارج الحرم .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) المائدة / 95 .

ومما سبق يتبين أن ما شرع ذبحه داخل الحرم : لا يجوز ذبحه خارجه ، وأما ما شرع ذبحه خارج الحرم ، فإنه يجوز نقله وذبحه في الحرم .

ومن أتم حجه ونسكه ، لكنه ذبح الهدي خارج الحرم : فحجه صحيح ، لكن يجب عليه يذبح هديا آخر ، بدلا منه ، داخل الحرم . وإذا كان لا يستطيع الذهاب بنفسه إلى مكة ، فإنه يؤكل من يثق به ليذبح عنه داخل الحرم .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” هدي التمتع والقران لا يجوز ذبحه إلا في الحرم ، فإذا ذبحه في غير الحرم ، كعرفات وجدة وغيرهما : فإنه لا يجزئه ، ولو وزع لحمه في الحرم ، وعليه هدي آخر يذبحه في الحرم ، سواء كان جاهلاً أو عالماً ؛ لأن النبي نحر هديه في الحرم ، وقال : ( خذوا عني مناسككم ) ، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم إنما نحروا هديهم في الحرم تأسياً به ” انتهى.

لماذا يجب ذبح الهدي داخل حدود الحرم:

يذبح الهدي داخل الحرم للأسباب :
1-
لأنه هذا الذي جاء به القرآن والسنة ، فيجب اتباعهما .
قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب/36 ، وقال الله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر / 7 .

وشأن هذه الذبائح ، شأن سائر مناسك الحج ، بل شأن جميع العبادات : يتبع فيها أمر الله ورسوله ، من غير أن يقال : ” لماذا “؟ .

قال الشاطبي رحمه الله :
” أَمَّا أُمُورُ التَّعَبُّدَاتِ ، فَعِلَّتُهَا الْمَطْلُوبَةُ مُجَرَّدُ الِانْقِيَادِ ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ ، أنكرت على السائلة أَنْ يُسْئَلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا ؛ إِذْ لَمْ يُوضَعْ التَّعَبُّدُ أَنْ تَفْهَمَ عِلَّتَهُ الْخَاصَّةَ ، ثُمَّ قَالَتْ : ” كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا يُرَجِّحُ التَّعَبُّدَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْمَشَقَّةِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي مَسْأَلَةِ تَسْوِيَةِ الشَّارِعِ بين دية الأصابع : ” هي السنة با ابْنَ أَخِي ” ، وَهُوَ كَثِيرٌ” انتهى.

2- لأنه منسك من مناسك الحج ؛ والحج متعلق بمكة ، وأغلب أعماله تقام داخل الحرم ، فيكون ذبح الهدي داخل الحرم موافقا لأصل عبادة الحج في مكانها .

3- ذبح الهدي وتوزيعه داخل الحرم هو من التوسعة على مساكين هذا المكان ، ولعل هذا من الرزق الذي تكفل الله به لأهل هذا البيت استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام ، وذلك في قول الله تعالى : ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم /37 .