جاء في تفسير القرطبي لسورة الجن أن أهل العلم اختلفوا في أصل الجن، فقال الحسن البصري : إن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مُؤمنون وكافرون، وهم شُركاء في الثواب والعقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مُؤمنًا فهو وليُّ الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرًا فهو شيطان.
وقال ابن عباس: الجن هو ولد الجان، وليسوا بشياطين، وهم يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. انتهى.
وجاء في تفسير سورة الناس أن قتادة قال : إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين، وهو يعزز رأي الحسن البصري المذكور قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لَكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) [سورة الأنعام : 112].
وجاء في “حياة الحيوان الكبرى” للدميري أن المشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس وقيل : الجن جنس وإبليس واحد منهم ولا شك أن الجن ذريته بنص القرآن الكريم. يريد قوله تعالى (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [سورة الكهف: 50] ومن كفر من الجن يقال له شيطان.
وجاء في “آكام المرجان في أحكام الجان” للمحدث الشبلي “ص 6” : أن الجن تشمل الملائكة وغيرهم ممن اجتن -أي استتر- عن الأبصار، قال تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنِ الْجِنَّةِ نَسَبًا) [الصافات : 58]؛ لأن المشركين ادَّعوا أن الملائكة بنات الله وقال : الشياطين هم العصاة من الجن وهم ولد إبليس، والمَرَدَةُ هم أعتاهم وأغواهم يقول الجوهري: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان، والعرب تسمي الحية شيطانًا.
هذا ما قيل عن الجن وإبليس والشياطين، أما الحكمة من خلقهم فهي امتحانه بني آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعًا منه ذاتيًا بحكم أنه خُلِقَ مُؤْمنًا كالملائكة، فإن استقر الإيمان بعد الانتصار في معركة الشيطان الذي أقسم أن يغوي الناس أجمعين، كان جزاء هذا المؤمن عظيمًا؛ لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنينَ) [العنكبوت : 69].
والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لآدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية، وقد تزعَّم الشيطان هذه المعركة انتقامًا من آدم الذي طُرد الشيطان من الجنة بسبب عدم السجود له. فقال كما جاء في القرآن الكريم.
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم . ثُمَّ لَآَتِينَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [سورة الأعراف : 16-17]
وحذَّر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَلَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [سورة يس : 60] وقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [سورة فاطر : 6].
فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات والحركة سر الحياة.
وقد سُئل أحد العلماء: لماذا خَلَقَ الله إبليس؟ فقال : لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه، فكل خير فيه شر ولو بقدر.