من مقتضيات الإيمان بالله تعالى إفراده سبحانه وتعالى بالعبودية في كل شيء وألا نتخذ مع الله شريكا، والإيمان بوحدة الألوهية يعني رفع القداسة عن كل موجود عدا الله -سبحانه-، وعدم الاستسلام إلا للكامل المطلق –سبحانه وتعالى- والوقوف في وجه الطغاة والظالمين.
هل يستقيم إيمان العبد إذا أشرك مع الله أحدا في سلطانه وحكمه؟
يقول فضيلة الدكتور محمد البهي -رحمه الله- عميد كلية أصول الدين الأسبق:
الآلهة جمع إله، والأرباب جمع رب، وهم أولئكم الذين يشركون مع الله في العبادة.. هم الذين يشركهم ضعاف الناس في صفة الألوهية، مع المولى -جل جلاله-.
جاءت رسالة الله في كل مرة، ومع كل رسول أرسل بالدعوة إلى وحدة الألوهية، حتى نزول القرآن الكريم. (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ).
فقد كلف الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- بإعلان اعتقاده بوحدة الألوهية، وببراءته من الشرك؛ أي كلف بإعلان أن الله واحد، وهو الكامل كمالاً مطلقًا في الوجود، وينفي أن يكون هناك في الوجود شركاء له، فقضية التوحيد في الألوهية هي جوهر الرسالة إذن.
والرسول كان لا يرسل من قبل الله في أي جيل وفي أي مجتمع إلا إذا ساد الشرك بين الزعماء في المجتمع، وهنا يأتي الوحي برسالة الله على الأرض لإعلان دعوة التوحيد، ودين الوحدة في الألوهية هو الإسلام، والذين يؤمنون بالوحدة هم المسلمون.
والإيمان بوحدة الألوهية من شأنه جمع الصفوف، وجمع الكلمة بين المؤمنين، كما من شأنه إضعاف الصراع النفسي الداخلي في الفرد الواحد بين شهوته وغرائزه من جانب، وعقله وحكمته من جانب آخر.
وإذا كانت للإنسانية مصلحة في الإيمان بوحدة الألوهية فإن للطواغيت والزعماء الذين يؤلههم ضعاف النفوس من أقوامهم في كل عهد مصلحة في الشرك وبقاء القداسة التي ترفعهم إلى صف الآلهة.
والوثنية عبادة غير الله، والشرك بالله. والأوثان والأصنام رموز أو تماثيل تجسد الشركاء لغير الله: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا)، ويصف القرآن الوثنية والأوثان بالرجس والنجس، وينهى عنها، ويدخلها في محيط القول الزور والكذب المختلق (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ).
معنى الأوثان والوثنية والشرك والآلهة والأرباب؟
هذه كلها مفاهيم تدل على انحراف البشرية عن المسار الصحيح لها في مجتمع أو في مجتمعات عديدة: فيؤله الضعفاء الأقوياء، ويستسلمون لهم، ويقبلون الظلم والعدوان منهم، ويباركون خطواتهم في الانحراف والاعتداء، ولا يستطيعون فقدهم فضلاً عن مقاومتهم.
والإيمان بوحدة الألوهية يعني رفع القداسة عن كل موجود عدا الله -سبحانه-، وعدم الاستسلام إلا للكامل المطلق، ومواجهة الطغيان بالقوة أو بالمال أو بالجاه والسلطة، ومقاومة الاعتداء والظلم في أية صورة من الصور.
الإيمان بالله وحده هو منطلق البشرية نحو الحياة الإنسانية الكريمة. والشرك بالله الهروب في دروب خوفًا من المواجهة وإعلان الحق وحده.