اختلف العلماء في المتيمم هل يصلي بتيممه فرضين؟ فأكثر العلماء على أنه لا يصلي بالتيمم إلا فرضا واحدا، ولا يصلي بتيمم النافلة الفريضة، أما المالكية والشافعية فدخول الفرض عندهم يبطل التيمم، والمالكية أجازوا للمتيمم أن يصلي ما شاء من النوافل بعد الفريضة، والشافعية فأجازوا له أن يتنفل قبل الفريضة وبعدها.
خلافا للحنفية الذين أجازوا للمتيمم أن يصلي أكثر من فرض وهو رواية عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله في مجموع الفتاوى :
وأما التيمم لكل صلاة ولوقت كل صلاة، ولا يصلي الفرض بالتيمم للنافلة؛ لأن التيمم طهارة ضرورية، والحكم المقدر بالضرورة مقدر بقدرها، فلا يتيمم قبل الوقت، ولا يبقى بعده، وهو مبيح للصلاة لا رافع للحدث؛ لأنه إذا قدر على استعمال الماء استعمله من غير تجدد حدث، فعلم أن الحدث كان باقيا، وإنما أبيح للضرورة، فلا يستبيح إلا ما نواه، فهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد.
وقيل: بل التيمم يقوم مقام الماء مطلقا، يستبيح به كما يستباح بالماء، ويتيمم قبل الوقت، كما يتوضأ قبل الوقت، ويبقى بعد الوقت، كما تبقى طهارة الماء بعده، وإذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة، كما أنه إذا توضأ لنافلة صلى به الفريضة، وهذا قول كثير من أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في الرواية الثانية.
وقال أحمد: هذا هو القياس.
وهذا القول هو الصحيح، وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار؛ فإن الله جعل التيمم مطهرا كما جعل الماء مطهرا، فقال تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة/6] الآية، فأخبر تعالى أنه يريد أن يطهرنا بالتراب كما يطهرنا بالماء.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: فضلنا على الناس بخمس، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأحلت لنا الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وفي لفظ: فأيما رجل أدركته الصلاة من أمتي فعنده مسجده وطهوره، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه قال: فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة،وجعلت لنا الأرض مسجدا، وتربتها لنا طهورا. فقد بين أن الله جعل الأرض لأمته طهورا كما جعل الماء طهورا.
وعن أبي ذر قال: قال النبي: الصعيد الطيب طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فامسسه بشرتك، فإن ذلك خير.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فأخبر أن الله جعل الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين.
فمن قال: إن التراب لا يطهر من الحدث فقد خالف الكتاب والسنة، وإذا كان مطهرا من الحدث امتنع أن يكون الحدث باقيا، مع أن الله طهر المسلمين بالتيمم من الحدث، فالتيمم رافع للحدث مطهر لصاحبه لكن رفع مؤقت إلى أن يقدر على استعمال الماء فإنه بدل عن الماء فهو مطهر ما دام الماء متعذرا. أهـ
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
خلاف بين الفقهاء فيما يصح بالتيمم الواحد. فذهب الحنفية إلى أن المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل؛ لأنه طهور عند عدم الماء كما سبق. واستدلوا بحديث : ” الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ” وبالقياس على الوضوء، وعلى مسح الخف؛ ولأنَّ الحدث الواحد لا يجب له طهران.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنَّه لا يصلي بتيمم واحد فرضين، فلا يجوز للمتيمم أن يصلي أكثر من فرض بتيمم واحد، ويجوز له أن يجمع بين نوافل، وبين فريضة ونافلة إن قدم الفريضة عند المالكية.
أما عند الشافعية فيتنفل ما شاء قبل المكتوبة وبعدها؛ لأنها غير محصورة، واستدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنه من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى.
وهذا مقتضى سنة رسول الله ﷺ ولأنه طهارة ضرورة، فلا يصلي بها فريضتين، كما استدلوا بأنَّ الوضوء كان لكل فرض لقوله تعالى : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ } [المائدة/6] والتيمم بدل عنه، ثم نسخ ذلك في الوضوء، فبقي التيمم على ما كان عليه ؛ ولقول ابن عمر يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث.
وذهب الحنابلة إلى أنَّه إذا تيمم صلى الصلاة التي حضر وقتها، وصلَّى به فوائت ويجمع بين صلاتين، ويتطوع بما شاء ما دام في الوقت، فإذا دخل وقت صلاة أخرى بطل تيممه وتيمم، واستدل الحنابلة بأنه كوضوء المستحاضة يبطل بدخول الوقت.
ويجوز عند المالكية والشافعية في الأصح صلاة الجنازة مع الفرض بتيمم واحد؛ لأنَّ صلاة الجنازة لما كانت فرض كفاية سلك بها مسلك النفل في جواز الترك في الجملة.