إذا تحقّقت المسجديّة في أرض البناء والصلاة أصبح المسجد مِلكًا لله لا يجوز لأحد أن يتملّكه أو يتصرّف فيه بما يخرجه عن مهمته الدينيّة.
لكن لو تخرّب المسجد ولا يوجد من يعمره، أو هاجَر الناس من حوله واستغنَوا عنه، إما قهرًا واضطرارًا كزلزال أو سيول، أو اختيار كهجرة إلى مكان آخر.
هنا اختلف الشيخان محمد وأبو يوسف صاحِبا أبي حنيفة في الحكم، فقال محمد: إنّه يعود إلى ملك الواقف أو المتبرِّع إن كان حيًّا وإلى ورثته إن كان ميتًا، لأنّه عينه لقُربة مخصوصة، فإذا انقطعت رجع إلى المالك، وإذا لم يُعلم صاحبه ولا ورثته أو كان ملكًا للجميع أقاموه بالجهود الذاتيّة جاز بيعه وصرف ثمنه في مسجد آخر.
وقال أبو يوسف: على الرغم من ذلك فهو ما يزال مسجدًا إلى يوم القيامة، ولا يعود إلى ملك أحد من الناس؛ لأنّه صار ملكًا لله وحده، ولا يجوز نقل أنقاضِه ولوازِمه إلى مسجد آخر، وبالطبع لا يجوز الانتفاع بأرضِه في أي عمل آخر، وللناس أن يبنُوا فوق الأرض مسجدًا جديدًا.
وأكثر المشايِخ على قول أبي يوسف، ورجّحه الكمال بن الهمام، لكن رُوي عن أبي يوسف أيضًا أنّه وإن لم يعُد المسجد إلى المالك يجوز أن تحول الأنقاض واللوازم إلى مسجد آخر، أو يُباع ذلك بإذن القاضي ويصرف ثمنَه في أقرب مسجد له، وقد جزم بهذه الرواية صاحب ” الإسعاف ” وأفتى بها كثير من المتأخِّرين؛ لأن ترك الأنقاض وخلافها بدون صرفها إلى مسجد آخر يؤدِّي إلى ضَياعها إذا طال الزمان.
أما أبو حنيفة فنُقل عنه مثل قول محمد، ونُقل أيضًا عنه مثل قول أبي يوسف. انتهى ملخصًا من فتوى الشيخ حسن مأمون في 24 من مايو سنة 1960 ” الفتاوى الإسلامية ج6 ص2156 ” .
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بما ملخصه هدم مسجد آيل للسُّقوط لبناء مسجد جديد على قطعة منه وبناءِ عمارة على الباقي من أرضه:
أنّ الفقه الشافعي: جرَى ـ كما في كتاب إعلام الساجد للزركشي ـ عَلى أنه إذا تعطّل المسجد بتفرُّق الناس عن البلد أو خرابها أو خراب المسجد فلا يعود مملوكا، ولا يجوز بيعه ولا التصرّف فيه، خلافًا لمحمد بن الحسن الحنفي.
والفقه المالكي :جَرى على مثل ما ذهب إليه فقه الشافعيّة ـ كما في كتاب التاج والإكليل على مختصر خليل، غير أنه أجاز في المسجد إذا تخرّب وخِيفَ على أنقاضه من الفساد ولم تُرْجَ عِمارتُه أن تُباع ويوجه الثَّمن إلى مسجد آخر.
وأجازَ فقه الحنابلة ـ كما في المغني لابن قدامة ـ بيع المسجد إذا صار غير صالح للغاية المقصودة منه، كأنْ ضاق على أهله ولم يمكن توسيعُه ليسعَهم، أو خرِبت الناحية التي فيها المسجد وصار غير مفيد، ويُصرف ثمنه في إنشاء مسجدِ آخرَ في مكان يُحتاج إليه فيه.
وفي الفقه الحنفي: أن المسجد إذا خَرِب ولم يكن له ما يعمرُ به واستغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر، أو خَرِب ما حوله واستُغنِيَ عنه ـ يبقى مسجدًا أبدًا إلى يوم القيامة وذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وأما عند محمد بن الحسن فيعود إلى ملك مَن بناه، ونصُّوا على أنّه إذا أراد أهل محلّة نقضَ المسجد وبناءه أحسن من الأول إن كان من يريد بناءه من أهل المحلة كان لهم ذلك، وإلا لم يجُز، كما نصُّوا على أن للقائم على المسجد أن يؤجِّر فناءه للتُّجّار لصالح المسجد، ولفقراء المسلمين بإذن القاضي، وأعطاها بعضهم حكم مسجد آخر، وأتبعَها آخرون للمسجد ذاتَه .
وبعد سرد أقوال المذاهب قال: يجوز هدمُ المسجد الآيِل للسقوط أو المتخرِّب وجعل ثمن أنقاضِه في مصاريف تجديدِه لبقاء المسجديّة له، ويجوز توسيعُه من الفناء الملحق به، وإقامة عمارة على بعض الفناء يُصرَف عائدُها أو تستعمل لصالح المسجد ولصالح الفقراء، وذلك بإذن القاضي. ” ” .