سبيل الله في اللغة هو الطريق الموصل إلى مرضاته، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعند إطلاقه في الشرع ينصرف إلى الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما قال ابن الأثير في “النهاية.
وكون الجهاد من مصارف الزكاة الثمانية الموجودة في قوله: (إنَّما الصَّدَقَاتُ للفُقَراءِ والمَسَاكِينِ والعاملين عليها والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وفي الرِّقَابِ والغَارِمِينَ وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عليم حكيم) (سورة التوبة: 60) أمْر متفق عليه بين الفقهاء، مريدين بسبيل الله الجهاد.
لكن ما وراء الجهاد من أعمال الخير فالمذاهب مختلفة فيه:
فالأحناف يقصرون سبيل الله على الجهاد، تصرف على المجاهدين تمليكًا لهم. مشترطين فيهم الفقر والحاجة، وقد أخذ عليهم هذا الشرط لأنهم به داخلون تحت اسم الفقراء، ولم تعد هناك حاجة إلى مصرف (سبيل الله) في الآية، والكاساني في “بدائع الصنائع” جعل جميع القُرَب والطاعات من سبيل الله، لكنه اشترط أيضًا تمليك الزكاة للشخص المستحق لها، وعلى هذا لا يجوز صرفها في بناء المساجد وتكفين الموتى وقضاء الديون عنهم “رد المحتار ج 2 ص 85.”
والمالكية متفقون على أن سبيل الله في الزكاة هو الجهاد وما يتعلق به من إعداد ومرافق، ولا يشترطون فيها تمليكًا للأشخاص، ولا يشترطون الفقر ليكون سبيل الله صنفًا متميزًا عن الفقراء والمساكين.
والشافعية أرادوا بسبيل الله المجاهدين المتطوعين لا من ترتب لهم أرزاق لعملهم هذا، ولا يشترطون الفقر في هؤلاء المتطوعين، فهم كالمالكية في قصر السبيل على الجهاد، لكن أرادوا بالمجاهدين المتطوعين.
والحنابلة كالشافعية في هذا الرأي، لكن جاء في رواية عن أحمد جعل الحجاج كالمجاهدين داخلين في سهم سبيل الله لحديث أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكرًا في سبيل الله وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى، فأتت النبي ـ ﷺ ـ وذكرت له ذلك فأمره أن يعطيها البكر وقال: (الحج والعمرة في سبيل الله) رواه أحمد وأبو داود برواية أخرى، والروايتان ضعفيتان.
فالمتفق عليه بين الفقهاء أن سبيل الله هو الجهاد، مع الاختلاف في اشتراط الفقر وعدمه، وفي تملكيها للشخص أو عدم تمليكه، وفي قصره على المتطوعين أو تعميه على جميع المجاهدين، وما نقل عن الكاساني في جعل أنواع القربات الأخرى من سبيل الله شرط فيه التمليك للشخص لا أن تصرف في بناء المساجد وغيرها.
وابن قدامة الحنبلي في “المغني” صوب رأي الجمهور ولم يرتض رواية أحمد في صرفها على الحجاج وقال معللاً لذلك: إن الزكاة تصرف لأحد رجلين: محتاج كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعاملين على الزكاة والغزاة والمؤلفة قلوبهم والغارمين لإصلاح ذات البين. أما الحج للفقير فلا نفع للمسلمين فيه، ولا حاجة به إليه أيضًا فهو غير واجب عليه ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة خففها الله عنه، وتوفير هذا القدر على ذوى الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى.
وهناك بعض العلماء توسعوا في معنى “سبيل الله” ليشمل جميع أنواع القربات، منهم الفخر الرازي حيث نقل عن القفال في تفسيره أن بعض الفقهاء أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه بالبر من تكفين الموتى وعمارة المساجد وغيرها، ولم يعين من هم هؤلاء الفقهاء المجيزون، وإن كان لا يوصف بالفقيه إلا المجتهد، ونسب ابن قدامة في “المغنيط هذا الرأي إلى أنس بن مالك والحسن البصري ولكن المحققين بينوا أن هذه النسبة خطأ لعدم فهم ما نقله أبو عبيد عنهما في كتابه “الأموال.