لايمكن القطع بأن جميع المصطافين يستأجرون الشقق لممارسة المنكر حتى نصل إلى تحريم تأجير الشقق لهم ، فكما أن هذا الصنف موجود، فكذلك من يصطافون للاستجمام من الأسر المحافظة موجودن، وعلى هذا فعلى المسلم أن لايؤجر شقته إلى لمن يطمئن  إلى أنه ممن لا يمارس الحرام ، فإن ظهر له أثناء العقد أنه من الصنف الأول فليفسخ معه العقد.

يقول فضيلة الدكتور “محمد البهي” الأستاذ بجامعة الأزهرـ رحمه الله ـ :

هل كل المصطافين في أشهر الصيف الذين يُقيمون في مساكن مفروشة مؤجرة يُباشرون المنكر؟ هل هم جميعًا يُباشرون الفسق، والزنا، وشُرب الخمر في تلك المساكن التي يَستأجرونها؛ حتى تكون تلك المساكن أمكنةً لمُمارسة المنكر، أو طريقًا لتَمكين المُنكر مِن وُقوعه، وعندئذ يكون المُؤجِّر شريكًا للمُستأجر في وقوع المنكر: أحدهما وهو المُؤجِّر يُمكِّن المُستأجِر من المنكر، والمُستأجر يُباشر وقوع هذا المنكر، وبذلك يتمُّ رُكنَا الجريمة لارتكاب المنكر؟ أم أن من بين المُصطافين أُسَرًا تستأجر المساكن المفروشة لمدة موقوتة في أشهر الصيف؛ لاسْتجمام جميع أفرادها، والمُؤجِّر -عندئذ- ليس مكرهًا على تأجير المسكن المفروش لدَيه والمُعدُّ للإيجار في أشهر الصيف إلى غير هذه الأسر ممَّن يُمارسون المنكر فيها مِن العُزَّاب مَثَلاً؟

إن التعميم هنا من أن جميع المساكن المفروشة تُستأجَر لمباشرة المنكر.. خطأٌ في القول وفي الفتوى، والأصل أو المبدأ الذي تقوم عليه المعاملات الإسلامية هو “الحلُّ وعدم التحريم حتى يظهر الضرَر”، وعندئذٍ تَعرِضُ الحرمة لمَا كان حلالاً مِن قبلُ، فإذا كان هناك عقدٌ بين اثنينِ على بيع شيء وشرائه فالعقد جائز وحلالٌ، فإذا ظهر بعد المُوافقة عليه مِن الطرفين خداعٌ مِن جانب أيٍّ منهما حرُم العقد وفُسِخ، بعد أن كان حلالاً وتمَّ.

وتطبيق هذه القاعدة أو هذا الأصل على تأجير الشقق المفروشة أن التأجير حلالٌ ولا ينطوي على التمكِين مِن مُنكر، فإذا ظهر أن المستأجر يُمارس المنكر على وجه التأكيد فيما استأجره كانت مُمارسته للمُنكر فيه إخلالاً بصحة عقد الإيجار، ومِن ثَم يُلغَى هذا العقد ويُفسخ.

ومن أجل ذلك فلا تُعمَّم الشُّبهة، ولا يُقال: إن كل المساكن التي تُؤجَّر مَفروشة تُدار للبِغاء، ولاحْتساء الخمر، أو لَعب القُمار، كما يقال أيضًا: إن جميع المصطافين في أشهر الصيف سُياح يُمارسون المنكر في الشقق المفروشة المستأجرة.

والحديث الشريف عندما يقول: “ادرءوا الحُدودَ بالشُّبُهَاتِ”.. أي اتْركوا الحدود -وهي العقوبات المحدودة لجرائم الزنا، والقتل، والسرقة، وشرب الخمر- إذا لم تكن الجريمة قد وَقعت على سبيل القطْع – يقول ذلك ليُبعد “الظن” في مباشرة الحلال والحرام، أو في القول بهما، والتعميم الذي يقول به الرجل المسلم في سؤال السائل هنا: صورة من صور الظنِّ في مُباشرة الحلال، والحرام.

تجِبُ الحيطة تمامًا في إعلان الحلال والحرام في مُعاملات الناس، وبالأخصِّ في معاملاتهم المالية؛ فعلى سبيل المثال: تأجير واستئجار الشقق المفروشة في أزمتنا الاقتصادية الراهنة تمثل حجْمًا ليس هيِّنًا في الاقتصاد، ليس بالنسبة للمستأجرين ولكن قبلهم للمُؤجِّرين؛ فكثير مِن هؤلاء الذين يُؤجِّرون مساكنهم مفروشةً أو يملكون بعض المساكن المفروشة تتوقف معيشتهم، وحياتهم الاقتصادية طول العام على مقدار الإيجار الذي يُحصلونه مدة الاصطياف، وربما يدفعهم إلى تأجير مساكنهم المفروشة أنهم يُمارسون الأمانة في حياتهم، ولا يُريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، سواء عن طريق الربا في استثمار ما يملكون من مال.. أو عن طريق قبول الرشْوة فيما يقدمونه من خدمات في مصالح حكومية أو في شركات عامة، ويرون أضمن الطرق في البعد عن أكل أموال الناس بالباطل هو ما يَسلكونه من تأجير الشقق المفروشة.

نعم هناك مساكنُ مفروشة تُستغل لممارسة البِغاء، والفساد.. وتُستغل كمَورد حرام على سبيل القطع في مباشرة المنكرات وانتهاك الحرمات والأعراض، وهي معروفة للرجال المُشرفين على “الآداب” قبْلَ غيرهم مِن الجيران أو البوابين، ولكن وُجود مثل هذه المساكن لا يجعل التعميم أمرًا مقبولاً. ومن أجل قبوله يحرم تأجير واستئجار المساكن المفروشة على الإطلاق، كما هي الفتوى هنا للرجل المسلم.

والمسلم يُرجَى له الخير من الله؛ عندما يكون حريصا على معرفة الحلال والحرام في مُعاملاته، وتأجيره للمَسكن المَفروش حلالٌ، وعليه قبل إتمام عقد الإيجار أن يَطمئن إلى أن المُستأجِر مِن الأسر التي تُريد الاستجمام وليس من العُزاب أو الأثرياء الذين يَزُورون المَصايف للاستمتاع بالحرام كما يَشتهونه.