أجر المؤذن :
ومن أجل كثرة مَن يستجيبون للأذان فيصلُّون، وكثرة مَن يسمعون ليشهدوا للمؤذِّن كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن، ولهذا استعان الأوّلون عليه بأن يؤذِّن المؤذِّن على مكان مرتفع، وحدث في أيام النبي ـ صَلَّى الله عليه وسلَّم ـ أن بلالاً كان يؤذِّن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، روى أبو داود والبيهقي أن امرأة من بني النجّار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بِلالٌ يؤذِّن عليه الفجرَ، وجاء في كتاب ” خلاصة الوفا ” للسمهودي ” ص192 ” أن دار عبد الله بن عمر كان فيها اسطوانة في قِبلة المسجد يؤذِّن عليها بِلال ، يرقَى إليها بأقتابٍ. والقَتَبُ هو رحل البَعير الذي يوضَع على ظهره ليَركَب الرّاكب.
حكم اتخاذ المآذن في المساجد:
وجاء في خلاصة الوفا للسمهودي ” ص191 ” أن عمر بن عبد العزيز جعل لمسجد النبي ـ صلّى الله عليه وسلَّم ـ أربع مناراتٍ في زواياه الأربع، طول كل منها نحو ستين ذراعًا، وعرضها ثمانية أذرُع في ثمانية، وأن إحداها جُدِّدت سنة 706 هـ أيام الناصر محمد بن قلاوون، وكان طول بعض المنارات في بعض التجديدات قد بلغ مائة وعشرين ذراعًا في عهد الأشرف قايتباي 892 هـ .
وجاء في خطط المقريزي ” ج4 ص27 ” أن معاوية بن أبي سفيان أمر ببناء منار لمسجد الفُسطاط ” مسجد عمرو بن العاص ” وإن كان عمر بن الخَطّاب نهى عَمْرًا عن اتّخاذ المنابر والمآذِن كما في صبح الأعشى ” ج3 ص 341″ لكن بعد وفاة عمر اتُّخِذت. ” مساجد مصر ج1 ص64″.
وعلى مدى التاريخ بُنيت المآذن وارتفعت شامخة، وأُذِّن من فوقها وامتلأت الأجواء بإعلان الشهادتين والدعوة للصلاة، فأيٌّ ضَرر في ذلك؟ ومهما يكن من شيء فإن لم تكن فيها فائدة فليس فيها ضَرر، وإذا كانت للمُشيِّدين لها نِيّات فالله يَجزيهم بما نوَوْا، لكنها على كل حال مَظهر من المظاهر الإسلاميّة، وبخاصة في هذه الأيام التي تحتاج إلى تكثيف للدعوة للإسلام بكلّ الوسائل الممكنة.
فالمآذِن ليست بدعة منكَرة، وإذا كان المؤذِّن يرقَى فوقها لإبلاغ صوته لأكبر عدد ممكن ، فإن مكبِّرات الصوت الآن ساعدت كثيرًا على بلوغ الصّوت مدى بعيدًا، مع الرّجاء ألاّ نَقْنعَ برفع المآذن ونُقصِّر في ارتياد المساجد، بل ينبغي أن يكون هناك تناسُب بين المَظهَر والمَخبَر، والإعلان والواقع.