الرسول ـ ﷺ ـ بشر لم يخلق من نور، ولا ينقص هذا من قدره عند الله ولا عند الناس، فهو القائل( أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو القائل كما تحدث الله على لسانه فقال (قل سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً)، وإن وصفه الله بالنور فهذا يعني نور الهداية لا أنه خلق من نور، وهذا ما قرره كثير من العلماء.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر – رحمه الله تعالى -:
كلمة النور تُطلَق في القرآن أحيانًا على القرآن الكريم وأحيانًا على النبي ـ ﷺ ـ باعتبار أن كُلاًّ منهما يُنير للناس طريق الخير، بل تطلَق أيضًا على الله ـ سبحانه ـ في قوله: (اللهُ نورُ السّمواتِ والأرْضِ) (سورة النور: 35).
إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يخلَق من نور، فهو من ذُريّة آدم، وآدم من طين، وهو القائل: “أنا سيِّد ولدِ آدمَ يوم القيامة ولا فَخْرَ.
والله ـ سبحانه ـ أمره أن يبيِّن للناس ذلك فقال: (قلْ إنّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (سورة الكهف : 110) وقال (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَرًا رَسولاً) (سورة الإسراء : 93) وكون الله أخبر عنه بأنه من نور، وكون بعض الآثار جاءت تخبِر بأن نوره كان موجودًا قبل أن يُولَد، كل ذلك لا ينفي أنّه بشر، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليس في حاجة إلى اختلاق أمور تَزيده شرفًا وتكريمًا، فكفى تشريف الله له، بما ثبت من الأخبار، وقد تحملنا شدّة حبّه على وضعه فوق ما يستحق، وهو القائل كما رواه البخاري “لا تُطْروني كما أطْرَتْ النصارَى المسيحَ ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله” وبرهان حُبِّنا له جاء في قوله ” مَن أحبَّني فليستنّ بِسنّتي” رواه أبو يعلى بسند حسن.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الثابت بالتواتر أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المولود من أبويه عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب بمكة في عام الفيل، ولد كما يولد البشر، ونشأ كما ينشأ البشر، وبعث كما يبعث من قبله أنبياء ومرسلون، فلم يكن بدعًا من الرسل، وعاش ما عاش ثم اختاره الله إليه (إنك ميت وإنهم ميتون) (سورة الزمر: 30)، وسيُسأل يوم القيامة كما يُسأل المرسلون: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب). (سورة المائدة: 109).
ولقد أكد القرآن بشرية محمد عليه السلام في غير موضع، وأمره الله أن يبلغ ذلك للناس في أكثر من سورة: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) (سورة الكهف: 110)، (قل سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً) (سورة الإسراء: 93)، فهو بشر مثل سائر الناس لا يمتاز إلا بالوحي والرسالة.
وأكد النبي عليه الصلاة والسلام معنى بشريته وعبوديته لله، وحذر من اتباع سنن من قبلنا من أهل الأديان في التقديس والإطراء: ” لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله “. (رواه البخاري).
وإذا كان النبي العظيم بشرًا كالبشر، فليس مخلوقًا من نور، ولا من ذهب، وإنما خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب.
هذا من حيث المادة التي خلق منها محمد عليه الصلاة والسلام.
أما من حيث رسالته وهدايته فهو نور من الله، وسراج وهاج . أعلن ذلك القرآن فقال يخاطبه: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا) (سورة الأحزاب: 46)، وقال يخاطب أهل الكتاب: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) (سورة المائدة: 15) فالنور في الآية هو رسول الله، كما أن القرآن الذي أنزل عليه نور .
قال تعالى: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) (التغابن: : 8)، (وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا) (النساء: 174)، وقد حدد الله وظيفته بقوله: (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). (إبراهيم: 1).
وقد كان دعاؤه عليه السلام: ” اللهم اجعل لي في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا وفي لحمي نورًا وفي عظمي نورًا وفي شعري نورًا وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا …. ومن بين يدي ومن خلفي .. ” . الحديث (متفق عليه من حديث ابن عباس) فهو نبي النور ورسول الهداية . جعلنا من المهتدين بنوره المتبعين لسنته، آمين.