ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأضحية مثلها مثل الأذان وإقامة الصلاة، إذا أداها واحد من أهل البيت فإنها تشمل بقية أفراد البيت ، ولا يتوجه الطلب إلى الباقين، فالشعيرة تتعلق بمجموع أفراد الأسرة لا بجميعهم، وعلى ذلك فإذا ضحى الزوج فلا يطلب ممن يعيشون معه من أفراد أسرته أن يضحوا، وهذا هو المأثور عن النبي ﷺ وعن السلف.
بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أن الأضحية لا يتحملها أحد عن أحد، فهي عنده تتوجه إلى كل فرد قادر، والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
أولاً : قال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد ، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت، تأدى الشعار والسنة بجميعهم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي.
ويدل على ذلك ما يلي :
1. روى الترمذي بإسناده عن عُمارة بن عبد الله قال : ( سمعت عطاء بن يسار يقول : سألت أبا أيوب :( كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ ؟ فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى ) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . ورواه ابن ماجة ومالك .
قال الإمام النووي: هذا حديث صحيح . والصحيح أن هذه الصيغة تقتضي أنه حديث مرفوع . وصححه الشيخ الألباني.
2. وروى ابن ماجة بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة رضي الله عنه – وهو صحابي شهد الحديبية – قال :( حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة . كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يُبَخِّلُنا جيراننا ) .
قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون.ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ،وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
3. ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :( شهدتُ مع رسول الله ﷺ الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله ﷺ بيده وقال : باسم الله والله أكبر ، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ) .
رواه أبو داود في باب : الشاة يضحى بها عن جماعة .
4. وعن عبد الله بن هشام قال :( كان رسول الله ﷺ يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي.
5. وعن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأُتِيَ به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية .
ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .
قال النووي :[ واستدل بهذا من جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور … ].
وقال الخطابي :[ وفي قوله ( تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا ، وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد ، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة ].
6. وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه :( أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله ).
7. ونقل ابن قدامة عن صالح بن أحمد بن حنبل قال :[ قلت لأبي : يُضَحَّى بالشاة عن أهل البيت ؟ قال : نعم لا بأس . قد ذبح النبي ﷺ كبشين فقرَّب أحدهما فقال : بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر فقال : بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وَحَّدَكَ من أمتي .
وحكى عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجئ ابنته فتقول: عني، فيقول:وعنك .
قال العلامة ابن القيم :[ وكان من هديه ﷺ أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ] ثم ذكر حديث أبي أيوب السابق .
وقال الشوكاني :[ قوله ” يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ” فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت ، لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده ﷺ والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم … والحق أنها تجزئ عن أهل البيت ، وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ].
ثانياً : قال الحنفية والثوري إن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد.
قال الكاساني الحنفي :[ … فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد ، وإن كانت عظيمةً سمينةً تساوي شاتين مما يجوز أن يُضَحَّى بهما .
لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ، لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم ، وإنها لا تحتمل التجزئة ، لأنها ذبح واحد ، وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر ، فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس ].
ويرى الحنفية جواز هبة ثواب الأضحية لأكثر من واحد ، وعلى ذلك حملوا الأحاديث التي احتج بها الجمهور.
وقد زعم الطحاوي أن الأدلة التي احتج بها الجمهور إما منسوخةً أو مخصوصة .
وقاس بعض الحنفية الأضحية على الهدي في هذه المسألة ، حيث قالوا إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن أكثر من واحد ، قياساً عل الشاة الواحدة في الهدي ، حيث اتفق العلماء على أنها لا تجزئ إلا عن واحد .
والذي يظهر رجحان قول الجمهور بأن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، مهما كان عددهم لقوة الأدلة التي احتجوا بها .
ويجاب عن قول الحنفية: “إن الغنم بقيت على أصل القياس ” بأنه مردود لثبوت الأحاديث في ذلك ، حيث ثبت الاشتراك على عهد رسول الله ﷺ في الإبل والبقر ، وكذلك ورد النص أنهم اشتركوا على عهد رسول الله في الشاة الواحدة ، إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقر من أهل أبيات شتى ، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد … فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه ، باطل .
وأما ادعاء الطحاوي بأن أدلة الجمهور إما منسوخة أو مخصوصة . فقد أجاب النووي عن ذلك بقوله :[ … وغَلَّطَه العلماء في ذلك ، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى ].
وأما قياسهم الأضحية على الهدي ، بجامع منع الاشتراك في الشاة الواحدة في الهدي ، فهو قياس فاسد الاعتبار ، لأنه قياس في مقابل النص ، والأضحية غير الهدي ، ولهما حكمان مختلفان ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، لأن النص ورد على التفرقة بينهما فوجب تقديم النص على القياس .
وقال الزيلعي المحدث :[ ويشكل على المذهب أيضاً في منعهم الشاة لأكثر من واحد ، بالأحاديث المتقدمة أن النبي ﷺ ضحَّى بكبش عنه وعن أمته ] ثم ذكر حديث عبد الله بن هشام السابق .