الزواج العرفي أنواعه وحكمه:
الزواج العُرْفي : اصطلاح حديث يُطلَق على عَقْد الزواج غير المُوَثَّق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبًا أم غير مكتوب.
وهو نَوْعان : نوع يكون مستوفيًا لأركانه وشروطه، ونوع لا يكون مستوفيًا لذلك.
1ـ فالنوع الأول إذا تمَّ على هذه الصورة، يكون عقدًا صحيحًا شرعًا، وتترتب عليه كل أثاره من حِلَّ التمتُّع وثبوت الحقوق لكل من الزوجين، وللذرية الناتجة منه، وكذلك التوارُث عند الوفاة، وغير ذلك من الآثار، دون الحاجة إلى توثيقه توثيقًا رسميًّا، وكان ذلك هو السائد قبل أن تُوجَد الأنظِمَة الحديثة لتقييد العقود وسماع الدَّعَاوى والفصل في المنازعات.
ويُمكن إثبات هذا العقد أمام المحاكم بطرُق الإثبات المعروفة، وكان للتوثيق الرسمي أهميته في حفظ الحقوق الزوجية، ومنع سماع دعاوَى الزواج الذي يَتِمُّ لأغراض سيئة.
2ـ والنوع الثاني يتم بعِدَّة صور، منها أن تجري صيغة العقد بين الرجل والمرأة دون شهود على ذلك، وهو الزواج السرِّي، ومنها أن يتم العقد أمام الشهود ولكن لفترة معينة.
وهاتان الصورتان باطلتان باتفاق مذاهب أهل السنة، لفُقْدان الإشهاد في الصورة الأولى، ولتحديد العقد في الصورة الثانية؛ لأن المفروض في عقد الزواج أن يكون خاليًا من التحديد بمدة ليَتِمَّ السكَن والاستقرار في الأسرة.انتهى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح جائز إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين، سواء أكان الناكح كافرا أو مسلما.
واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين، ومن استحله كان كافرا تجب استتابته.
وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطئها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين. ومثل هذا كثير.
فإن “ثبوت النسب” لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر؛ بل الولد للفراش كما قال النبي -ﷺ- : “الولد للفراش وللعاهر الحجر.
فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق : إما لجهله. وإما لفتوى مفت مخطئ قلده الزوج. وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق؛ بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها؛ فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش.
ومن نكح امرأة “نكاحا فاسدا” متفقا على فساده، أو مختلفا في فساده، أو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده، أو مختلفا في فساده، أو وطئها يعتقدها زوجته فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثان باتفاق المسلمين.
وبهذا قضى الخلفاء الراشدون، واتفق عليه أئمة المسلمين.
فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد، لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده، وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق؛ لإفتاء من أفتاهم أو لغير ذلك : كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا؛ بل يتوارثون باتفاق المسلمين.
هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده؟ وإن كان القول الذي وطئ به قولا ضعيفا : كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود؛ فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب فكيف بنكاح مختلف فيه.
فمن قال إن هذا النكاح أو مثله يكون فيه الولد ولد زنا مخالف لإجماع المسلمين . منسلخ من رتبة الدين فإن كان جاهلا عرف وبين له أن رسول الله -ﷺ- وخلفاءه الراشدين وسائر أئمة الدين ألحقوا أولاد أهل الجاهلية بآبائهم وإن كانت محرمة بالإجماع؛ ولم يشترطوا في لحوق النسب أن يكون النكاح جائزا في شرع المسلمين. فإن أصر على مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .انتهى.
ونكاح الزانية قبل أن تتوب مما يمنع منه المذهب الحنبلي، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية كما هو ظاهر كتاب الله تعالى.
نكاح الزانية إذا تابت إلى الله تعالى:
وإذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين؛ أحدهما انقضاء عدتها، فإن حملت من الزنى فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل نكاحها قبل وضعه. وبهذا قال مالك وأبو يوسف. وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة.
وفي الأخرى قال : يحل نكاحها ويصح. وهو مذهب الشافعي؛ لأنه وطء لا يلحق به النسب، فلم يحرم النكاح، كما لو لم تحمل. ولنا قول النبي -ﷺ- : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءه زرع غيره”. يعني وطء الحوامل.
وقول النبي ﷺ : “لا توطأ حامل حتى تضع. (صحيح). وهو عام، وروي عن سعيد بن المسيب : أن رجلا تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي -ﷺ- ففرق بينهما، وجعل لها الصداق، وجلدها مائة. (رواه سعيد).
ورأى النبي -ﷺ- امرأة مجحا على باب فسطاط، فقال : لعله يريد أن يلم بها؟ قالوا : نعم. قال : لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره , كيف يستخدمه وهو لا يحل له ؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له ؟”. (أخرجه مسلم). ولأنها حامل من غيره، فحرم عليه نكاحها، كسائر الحوامل. وإذا ثبت هذا لزمتها العدة، وحرم عليها النكاح فيها، لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم، ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا , فيكون نكاحها باطلا، فلم يصح، كالموطوءة بشبهة.
وقال أبو حنيفة والشافعي : لا عدة عليها؛ لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا، فأشبه وطء الصغير. ولنا ما ذكرناه، لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل، فغيرها أولى، لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب، وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول، ويحتمل أن يكون من الثاني , فيفضي إلى اشتباه الأنساب، فكان بالتحريم أولى، ولأنه وطء في القبل، فأوجب العدة كوطء الشبهة، ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء.
والشرط الثاني، أن تتوب من الزنا، وبه قال قتادة وإسحاق وأبو عبيد. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا يشترط ذلك؛ لما روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنى، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الرجل.
وروي أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية , فقال : يجوز، أرأيت لو سرق من كرم، ثم ابتاعه، أكان يجوز؟ ولنا قول الله تعالى : (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك إلى قوله : وحرم ذلك على المؤمنين).
وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي -ﷺ- : “التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقوله : “التوبة تمحو الحوبة”.
وروي : “أن مرثدا دخل مكة، فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق، فدعته إلى نفسها، فلم يجبها، فلما قدم المدينة سأل رسول الله -ﷺ- فقال له : أنكح عناقا؟ فلم يجبه، فأنزل الله تعالى : (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك). فدعاه رسول الله -ﷺ- فتلا عليه الآية، وقال : “لا تنكحها”.
ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره، وتفسد فراشه.
فأما حديث عمر فالظاهر أنه استتابها. وحديث ابن عباس ليس فيه بيان، ولا تعرض له لمحل النزاع.
إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعدة المطلقة؛ لأنه استبراء لحرة، فأشبه عدة الموطوءة بشبهة. وحكى ابن أبي موسى أنها تستبرأ بحيضه؛ لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح , فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت. وأما التوبة، فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب، كالتوبة من سائر الذنوب. وروي عن ابن عمر، أنه قيل له : كيف تعرف توبتها؟ قال : يريدها على ذلك، فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد تابت. فصار أحمد إلى قول ابن عمر اتباعا له.
والصحيح الأول، فإنه لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى، ويطلبه منها.
ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة، ولا تحل الخلوة بأجنبية، ولو كان في تعليمها القرآن، فكيف يحل في مراودتها على الزنى، ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية، فلا يحل للتعرض لمثل هذا، ولأن التوبة من سائر الذنوب، وفي حق سائر الناس، وبالنسبة إلى سائر الأحكام، على غير هذا الوجه، فكذلك يكون هذا.