جاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتُتيح الأضحية للعباد التقرُّب من ربّهم، وشكره على ما مَنّ به عليهم، كما أنّ فيها استشعارٌ وإحياءٌ لسُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل -عليه السلام-؛ وذلك حين أمر الله -تعالى- إبراهيم بذَبحه، فاستجابا لأمره، إلّا أنّ الله حال بينه وبين ذَبْحه ابنه، وفَداه بكبشٍ عظيمٍ.
فما حكم نقل الأضحية خارج بلد المضحي؟ أو من بلد غني إلى بلد فقير جائز شرعا ، وربما كان فعل الأضحية في البلاد الفقيرة أحب إلى الله تعالى وأرضى ، بل وأقرب إلى روح الشرع في مقصد الأضحية ، من كونها غناء للفقراء وإطعام لهم في أيام العيد والتشريق .
يقول الدكتور علي محيي الدين القره داغي :
لا مانع شرعا من دفع مبلغ الأضحية إلى الجمعيات الخيرية أو إلى أشخاص ثقات ليقوموا بذبحها ، نيابة عن المضحي، لأن هذا من باب الوكالة وهي جائزة في تنفيذ الأضاحي ونحوها، وله أجرها بل قد يكون بعض الأضاحي في بعض البلاد الفقيرة أكثر أجرًا من بعض بلادنا التي أنعم الله عليها بالخير الكثير .انتهى
ويقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :
إن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا يوكلون لجان الزكاة في بلادنا في التـضحية عنهم ، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية في بلادهم ، ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في فلسطين ، والتي تتولى شراءها ، ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس.
ولا بد هنا من بيان بعض الأمور الـتـي يـجـب أن تتـنـبه لها لجان الزكاة :
أولاً : يجب أن تكون الأضحية مستكملة للشروط الشرعية، ولذا يجب إعلام أمثال هؤلاء الناس قبل وقت الأضحية بثمن الضحايا في بلادنا ، لأن أسعارها تختلف من بلد إلى آخر ، فيمكن أن نشتري أضحية مجزئة بثمانين ديناراً في عمان ، ونحتاج إلى ضعف هذا المبلغ لشراء أضحية مجزئة في فلسطين .
ولا يصح أن نشتري أضاحي غير مستكملة للشروط الشرعية ، بحجة أن المبلغ الذي دفع لا يشترى به أضحية مستكملة للشروط . ولا يجوز جمع المبالغ القليلة لشراء شاة واحدة ، لأن الاشتراك في الشاة لا يصح .
ثانياً : لا بد من الالتزام بذبح هذه الأضاحي في الوقت المقرر شرعاً ، وإنَّ تأخرْ وصول أثمان الأضاحي من الخارج ، لا يعتبر عذراً في ذبح الأضاحي بعد مضي وقتها المقرر شرعاً فإن حصل ذلك فلا تعد أضحية . وإن لم يتم ذبحها في الوقت المقرر شرعاً فيجب إعلام الذين دفعوا ثمنها أنه لم يتم التضحية عنهم .
ثالثاً: يجب الالتزام بتوزيع تلك الأضاحي على الفقراء والمحتاجين أولاً لأن الغالب في الناس الذين يبعثون بأثمان الأضاحي أنهم يقصدون التصدق بها على الفقراء والمحتاجين.انتهى
ويقول الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي :
إذا قدمت ثمن الأضحية لجهة من الجهات الخيرية، كجمعية أو مؤسسة لتكون وكيلة عنك في ذبح الأضحية في بلدك أو في أي بلد آخر من بلدان المسلمين يصيب منها الفقراء والمساكين، في هذه الصورة فقط، وبنية الأضحية تكون مضحيا، وإن لم تباشر الذبح بنفسك.انتهى
ويقول الشيخ بن سالم بهشام من علماء المغرب :
والقادر على الأضحية يضحي على نفسه وعلى أهله بالمكان الذي هو مقيم به، وإذا كان أهله بمصر وهو بالسعودية فعليه أن يضحي هو عن نفسه بالسعودية ويضحي أهله بمصر، ويحضر الأضحية أحد أبنائه أو زوجته كما فعل الرسول الكريم؛ إذ قال لعائشة رضي الله عنها: “احضري لتشهدي أضحيتك”. وإذا كان غير قادر على الأضحيتين، فيكفيه أن يرسل ما يشترى به للأهل قصد إفراحهم ويسقط هو عنه.انتهى
وقال الإمام النووي في المجموع :
محل التضحية موضع المضحي , سواء كان بلده أو موضعه من السفر , بخلاف الهدي , فإنه يختص بالحرم , وفي نقل الأضحية وجهان حكاهما الرافعي وغيره تخريجا من نقل الزكاة . أ.هـ يعني الجواز والمنع.