حرمة الميت في قبره كحرمته حال حياته ومن ثم فنبش القبور الأصل فيه الحرمة، ولكن إذا دعت لنبش القبر مصلحة معتبرة شرعا أو عذر شرعي فيجوز نبشه ومن ذلك مرور زمن طويل على المقبرة بحيث لايبقى فيها للميت أثر، أو تعلق بالمقبرة حق لآدمي، أو كان الميت يتأذى بوجوده في هذا القبر، أو تكون هناك مصلحة عامة للمسلمين لا تتحقق إلا بحفر المقبرة أو جزء منها.
هل يجوز نبش القبور:
إن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وهو ميت في قبره كما لا يجوزالاعتداء عليه حال حياته لما ورد في الحديث أن الرسول ﷺ قال :( إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً ) رواه أبو داود وابن ماجة، وأحمد وغيرهم . وهوحديث صحيح كما قال الشيخ الألباني، وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة :( كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم ) رواه ابن ماجة.
وقد قررالفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح، فالأصل هو عدم جواز نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة وقد ذكر كثير من الفقهاء تفصيلاً للحالات التي يجوزفيها نبش القبور.
فمنها : إذا دفن الميت في أرض مغصوبة كمن دفن في أرضٍ بغير إذن مالكها، وكذلك إذا كان الكفن مغصوباً، أو وقع في القبر مال لغير الميت.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي – من فقهاء الحنابلة- في كتابه المغني: (وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخرج). قال أحمد :[ إذا نسي الحفّار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها . وقال – أي أحمد – في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم ينبش قال : إذا كان له قيمة يعني ينبش …).
وقال الشوكاني رداً على صاحب حدائق الأزهار في قوله: ( ولا ينبش لغصب قبر ولا كفن).
أقول :[ قد علم بالضرورة الدينية عصمة مال المسلم وأنه لايخرج عن ملكه إلا بوجه مسوغ فمن زعم أن الدفن من مسوغات ذلك فعليه الدليل ولا دليل. وقد تقدم أنه يشق بطنه لاستخرج ماله في نفسه لكون ذلك إضاعة مال فكيف لا ينبش للمال الذي اغتصبه وهو الكفن أو الأرض التي دفن فيها مع كونه إتلاف لمال محترم ومعصوم بعصمة الإسلام . وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال :( من اغتصب شبراً من الأرض طوقه الله من سبع أرضين ) فكيف بمن اغتصب قبراً هو عدة أشبار.
وهكذا ينبش إذا ترك بغير غسل لأن الغسل واجب شرعي لا يسقطه الدفن إلا بدليل ولا دليل هذا إذا كان يظن أن جسمه لم يتفسخ وأن غسله ممكن وهكذا التكفين لا يسقطه الدفن إلا بدليل ولا دليل لأنه واجب شرعي لا يسقط إلا بمسقط شرعي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت فينقل إلى غيره كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك)
وقد أجاز بعض الفقهاء نبش القبر من أجل توسيع المسجد الجامع أو دفن ميت آخر معه عند الضيق فيجوز نبشه ودفنه في قبر لوحده .
قال الإمام البخاري في صحيحه :[ باب هل يخرج من القبر واللحد ] ثم ذكر بسنده حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :( لما حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال : ما أراني إلا مقتولاً في أو لمن يقتل من أصحاب النبي ﷺ وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك غير نفس رسول الله ﷺ إن عليَّ ديناً فاقض واستوص بإخوتك خيراً فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في القبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هينة في أذنه .
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى أن الإمام البخاري يرى جواز إخراج الميت من قبره لغرض صحيح كما إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق بالميت من زيادة البركة له أو إخراجه لمصلحة تتعلق بالحيِّ لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه وقد بين جابر ذلك بقوله :( فلم تطب نفسي ) . انظر فتحالباري 3/457-458.
ومما يستأنس به لجواز نبش القبور لغرض صحيح ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن شريح بن عبيد الحضرمي أن رجالاً قبروا صاحباً لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفناً ثم لقوا معاذ بن جبل فأخبروه فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ثم صلى عليه.
ومما يدل على جواز نبش القبور الدارسة لبناء المسجد وتوسيعهما رواه الإمام البخاري في صحيحه في قصة بناء النبي ﷺ مسجده لما هاجر إلى المدينة وفيه : ( وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا . قالوا : والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى . فقال انس : فكان فيه ما أقول لكم : قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمرالنبي ﷺ بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع … )رواه البخاري.
وبعد كل هذا أقول: إنه ينبغي التحرز والاحتياط في مسألة نبش القبور؛ لأن الأصل عدم النبش، فينبغي دراسة الحالات التي يسأل فيها عن نبش القبر دراسة متأنية ودقيقة؛ لأن كثيراً من الجهات تتساهل في هذا الأمر تساهلاً كبيراً فلا تراعي حرمة الأموات فتتعدى على المقابر من أجل توسيع الطرقات أو من أجل التنظيم العمراني مع عدم الحاجة الحقيقية إلى ذلك.
ما هي ضوابط نبش القبور :
2- إذا كان الميت يتأذى بوجوده في هذا القبر كما إذا صار موضع القبر رديئاً لوجود مياه أو قذارة تنز عليه أو نحو ذلك.
3-إذا تعلق حق لآدمي بالقبر أو بالميت نفسه.
4- أن تتعلق بالمقبرة مصلحة عامة ضرورية للمسلمين لا يتم تحقيقها إلا بأخذ أرض المقبرة أو جزء منها ونقل ما فيها من رفات .
وذلك أن من القواعد الشرعية العامة أن المصلحة الكلية مقدمة على المصلحة الجزئية وأن الضررالخاص يتحمل لدفع الضرر العام، فإذا كان هذا يطبق على الحي حتى إن الشرع ليجيز نزع ملكية أرضه وداره وإخراجه من مسكنه من أجل حفر نهر أو إنشاء طريق أو إقامة مسجد أوتوسيعه أو نحو ذلك فأولى أن يطبق على الميت الذي لو كان حياً ما رضي أن نؤذي إخوانه لأجله .
وأخيراً لا بد من التذكير أنه إذا أردنا نبش مقبرة أو بعض مقبرة أن يحرص العاملون في الحفر على عدم كسر عظام الأموات وأن يقوموا بجمع تلك العظام ونقلها بكل احترام إلى مكان آخر تدفن فيه بمعرفة أهل الرأي والدين.