إن أمر اختيار قرين الحياة شاق وصعب، وقد قال بشأنه وبأهميته أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه: “ما تصعدني شيء ـ أي ما شق على مشقة تبلغ الجهد مني ، مثل ـ ما تصعدتني خطبة الزواج، إذن فالأمر بحاجة إلى موازنة واتزان، وبليغ أناة، وتقدير كل اعتبار، ومن هنا كان على ولي أمر الفتاة، أن يختار لكريمته الكفء المتدين، صاحب الخلق الكريم والسمت الحسن، والشرف الطاهر، فذلك هو الذي إن عاشرها وعايشها، عاشرها بمعروف وإحسان، وعايشها بمودة وتحنان، وإن سرحها سرحها محسنا إليها لا ينقص حقها، ولا يبخسها شيئا من قدرها، ولا يتصرف معها تصرفا يخل بوزنها واعتبارها، بين مثيلاتها وأترابها.
فقد قال رجل للحسن بن علي ـ رضي الله عنهما: “إن لي بنتا، فمن ترى أن أزوجها له، قال: زوجها لمن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها” وما أبلغ قول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها: “فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ” .
فإن ترك ولي أمر الفتاة لها حرية الاختيار بين من تقدم لخطبتها في آن واحد أو متقارب، فولي وجهك أيتها الفتاة جهة التدين والتقى.
وأنت إذ تطلبين هدى الدين، ليكون زواجك صالحا مباركا، فاعملي بقوله ـ ﷺ ـ: “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” أخرجه البخاري .
ويقول الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى -: لا شك أن الواجب على المؤمنة الاستجابة لله وللرسول فيما يتعلق بالزواج وغيره، لقول النبي ﷺ: “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” لكن إذا كان عدم التزويج لرفض الأب وأنه أبى وامتنع من تزويجها فهذا الإثم على والدها لا عليها؛ لأنها لم تقصر هي، أما إن كانت هي التي رفضت فعليها التوبة، والرجوع إلى الله والإنابة ومن تاب تاب الله عليه سبحانه وتعالى.
وأما تزوجها بالذي لا يصلي فهو غلط من أبيها إن فعل ذلك، وغلط منها إن وافقت على ذلك؛ لأن الذي لا يصلي كافر نسأل الله العافية، يقول النبي ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ويقول ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر والصواب أنه كفر أكبر، هذا هو الراجح من قولي العلماء أنه كفر أكبر.