من القواعد المقررة في شريعة الإسلام أن اليقين لا يزول بالشك، وأن من عرفت أمانته فلا تنفع فيه الشائعات ، ولا يقبل تصديقها، ولا يجوز أن يتهم الناس بالشكوك والشائعات مهما كثرت وذاعت ؛فإن اليقين لا يزيله إلا يقين مثله.

ومقولة أنه لا دخان بلا نار لا تستلزم تصديق الشائعات ، فصحيح أنه لا دخان بلا نار، لكن الدخان ليس وهما ولا شكا ولا شائعة ولا سرابا، ولكن الدخان حقيقة ملموسة واقعة يشاهدها الإنسان بحسه، ويكاد يختنق من وجودها، فأين هذا من الشائعة، إن الخطأ هنا من تشبيه الشائعات بالدخان.

وقد ينسج المغرضون تهمهم ويحبكونها، ويعملون على انتشارها وذيوعها دون أصل لذلك، وليست واقعة الإفك بخافية على أحد.

يقول الدكتور عبد الرحمن بن أحمد الجرعي الأستاذ بجامعة الملك خالد – كلية الشريعة-:
اليقين لا يزول بالشك قاعدة مهمة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو تزيد، ومن أدلة هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم “إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.

قال الإمام النووي رحمه الله ” وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها.

ومن التطبيقات الدعوية لهذه القاعدة :

1- وجوب إشاعة منهجية التثبت عند الحكم على الأشخاص أو الهيئات أو المؤسسات عموما، ومما يؤسف له أن هذه المنهجية تتوارى عند التطبيق لدى بعض فئات الدعاة خاصة عندما تكثر الإشاعات ، ويعز المصدر الموثوق به ، لكن المسلم له منهجية تميزه عن غيره ، فهو لا يتمضمض بأعراض البرآء ، ولا يتناول من الأخبار إلا ما تيقن منه.

2- المسلم يأوي إلى جبل من اليقين بأن الأصل في المسلم البراءة ، والسلامة ، والعدالة ، وحسبك أن الله لم يكلفك –أخي المسلم – أن تنقب عن صدور الخلق فتعلم أن فلانا قال كذا أو فعل كذا ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، لكنك تكون في أعظم الحرج إن نجح الشيطان بأن يجعلك مطية لقول الزور ، وخاصة حينما يكون القائل في مكانة مرموقة من محبيه وسامعيه.

يقولون أقــــــوالا ولا يعلمونها ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

ومن الأسف أن كثيرا من الأخبار التي تلاك في أوساط أهل الخير هي في القائمة الضبابية بين اليقين والشك ، ومما يزهد الكثير من الناس في التثبت رغبته في السبق بنشر الخبر ، أو التمدح بسعة العلم ، والإحاطة بالأمور ،وسعة العلاقات التي تتيح أن يطلع على ما لم يطلع عليه غيره.

3-الانسياق وراء الظنون والشكوك له آثار مدمرة على العمل الإسلامي ومنها توهين الصف المسلم ، بنشر الإشاعات ، وأحيانا تكون هذه الإشاعات موجهة إلى رموز الخير ممن لهم في النفوس مكانة وتقدير ، فتحدث البلبلة ، والشقاق ، وعندها يرقص الشيطان فرحا على أشلاء وحدتنا .
ومن الآثار كذلك إضعاف الثقة في أهل الدعوة وأهل الإصلاح والتوجيه .

ومن آثار الانسياق وراء الشكوك أن الباب يبقى مفتوحا لأعداء الدين ممن يسعدهم اشتغال أهل الحق ببعضهم البعض فيبقون في مأمن من تماسكهم ووحدتهم ، فيضعون الأحابيل ويروجون الإشاعات التي مهر فيها الأعداء من لدن ابن سبأ وحتى اليوم :
لا أنــــت قلت ولا سمــــعت أنا هذا كــــــلام لا يليـــــــق بنــــا
إن الكــــرام إذا صحبتهمــــــوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا

4 – اعتماد منهجية الحقائق الموثقة بالدلائل والإحصائيات والأرقام عند اتخاذ أي قرار أو تصرف ، بعيدا عن الانفعالات العاطفية ، وردود الأفعال التي لا تعني حل المشكلة بمقدار ما تعني الانفعال بالمشكلة وأثرها على النفس . وبعض الحلول التربوية للمشكلات –أو ما يتوهم حلا- تكرس المشكلة وتزيدها تفاقما.