عدَّ الله تعالى الأولاد من زينة الحياة الدنيا ، وللولد في الإسلام مكانة عظيمة جدا ، حيث أقسم الله به في سورة البلد ، وقد اعتنى الإسلام بالولد في الإسلام ، ولهذه العناية مظاهر عديدة ،

يقول فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي ـ من علماء الأزهر ـ بعض مظاهر العناية بالولد في الإسلام :
الذُّرِّية لها في قلب الإنسان مكانة عالية غالية؛ لأن الوالد يرى أن حياته تتجدَّد وتمتدُّ في صورة ابنه، وفي خطواته على الطريق، ولذلك لم يكن عجيبًا ولا غريبًا أن نجد القرآن الكريم يقول: ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( الكهف: 46 ) وأن نجد الأحنف بن قيس يقول عن الأولاد: “هم ثِمار قلوبنا، وعِماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة “.
وروى “العقد الفريد” أنه جاء في الحديث المرفوع ” ريحُ الولد من ريحِ الْجنة “، وجاء فيه أيضًا:
” الأولاد مِن ريحان الله “. ولما بُشِّرَ سيدنا رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بابنته فاطمة قال: ” ريحانة أشُمُّهَا ورِزْقُهَا على الله “، وقال معاوية عن ابنته عائشة: ” هذه تفاحة القلب ” إلى غير ذلك من الأقوال التي تُنبئ عن المكانة العظيمة التي تحتلها الذرية، ويَحْظى بها الأولاد.

أقسم الله بالولد في القرآن :
ولو ذهبنا نبحث عن مكانة الولد في الإسلام لبهرتنا هذه المكانة، وحسبنا أن نجد الله ـ تبارك وتعالى ـ يُقسم في القرآن الكريم بالولد، فيقول جل جلاله: ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ) ( البلد 1 ـ 3 ). كما أن الله تعالى حينما يتحدث عن مظاهر قدرته، وآيات رحمته، ودلائل ألوهيته، وبراهين ربوبيته، يجعل من بين ذلك اقتدار البديع على خلق الذرية، وإيجاد الأولاد، فتارة يقول سبحانه: ( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ). ( الحج: 5 ) وتارة نجده يُحدثنا عن خلق الإنسان، وعن إبداعه له منذ كان جنينًا، في أبدع صورة وأجلِّ مظهر، فيقول: ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك ) ( الانفطار 6 ـ 8 ).

الذرية من نعم الله:
ثم نجد القرآن الكريم يُحدثنا بأن الذرية من نعم الله تعالى، التي يمُن بها على خِيار عِباده ونماذج خلقه العُليا، وهم الأنبياء والمرسلون، فهو تارة يقول مُخاطبًا رسول الله ـ ـ: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة ) ( الرعد: 38 ) ، وتارة يقول على لسان أحد أنبيائه: ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) ( إبراهيم: 40 ).
وتارة نجد القرآن المجيد يقول عن زكريا ـ عليه السلام ـ: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّك سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( آل عمران: 38 ).

التحذير من الاعتداء على الذرية :

وتمتد عناية القرآن بالولد منذ البداية إلى النهاية، فهو يُحَذِّر كل التحذير من الاعتداء على الذرية حيث يقول: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) ( الإسراء: 31 ) . وتارة يقول: ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( الأنعام 140 ) . وتارة يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِالِله شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ ، وَلَا يَزْنِينَ ، وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ، وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ، فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الممتحنة: 12). والقرآن هنا يشير إلى الرذيلة السيئة الفظيعة التي كان يرتكبها بعض أهل الجاهلية، وهي رذيلة قتل الأولاد بسبب الفقر أو خوف العار أو الفضيحة.

ثم يُعنى القرآن برعاية الأطفال وهم صغار، فينظم لهم التربية والرضاع، ونجده يقول في ذلك: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة: 233 ).

التحذير من الاعتداء على ذرية الآخرين :

ويُحَذِّرُ القرآن الإنسان أن يعتدي على ذريةٍ لغيره، بأيِّ لون من ألوان الاعتداء، حتى لا تقيض له الأقدار يومًا مَن يعتدي على ذريته بعد وفاته، فيقول القرآن الكريم: ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ، فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) ( النساء: 9 ).

عناية السنة النبوية بالذرية :

وإذا انتقلنا من روضة القرآن الحكيم إلى روضة السنة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، وجدنا صورًا رائعة للعِناية بالطفولة، والعطف على الذرية، والرحمة بالأولاد.

-فهذا رسول الله ـ ـ يقول:” مَن رزقه الله ـ تعالى ـ بثلاث بنات فأحسن تربيتهن أدخله الله الجنة، قالوا: واثنتين يا رسول الله قال: واثنتين. قالوا: وواحدة يا رسول الله؟ قال: وواحدة.
-ويقول الحديث النبوي: ” أفضل دِينار يُنفقه الرجل دينار يُنفقه على عِياله “. ثم يذكر الحديث بعد ذلك الإنفاق في سبيل الله، وحينما قارن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أصناف النِّساء، فَضَّلَ نساء قريش على بقية الأصناف، وجعل السبب في ذلك أنهن أكثر حَنانًا على أولادهن، وأكثر رعاية لهم من غيرهن.
-ولقد عَدَّ الرسولُ إهمالَ الإنسان لولده في تربيته، أو الإنفاق عليه، أو تعليمه أو تهذيبه، أو حُسن توجيهه، إثمًا كبيرًا، فقال عليه الصلاة والسلام: “كفى المرء إثمًا أن يُضَيِّعَ مَن يَقُوت” والذين يقوتهم الإنسان هم أفراد أسرته، وأهم من فيها هم الأولاد.

حنان الرسول على الذرية :

ومما يدلنا على حَنان الرسول على الذرية، ورحمته للأولاد، أنه كان ذات يوم يخطب بين أصحابه، وإذا الحسن والحسين يُقبلان عليه، وهما طفلان يتعثران في مشيتهما، فأوقف الرسول خُطْبته، وقَطَعَ حديثه، ونزل فحملهما في حَنان غامر طاهر، وعاد وهو يتلطف معهما، وأتمَّ خُطبته وهو يقول: أيها الناس، صدق الله العظيم: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (الأنفال: 28 ) والله لقد رأيت ابنيَّ يجريان ويتعثران، فما أطقت حتى نزلت فحملتهما”.

وذات مرة أقبل الحسن والحسين على الرسول وهو ساجد، فاعتليا ظهره، فأطال في سجوده حتى نزلا، خشيةً منه أن يُسارع بالارتفاع من سجوده فيفزعان أو يغضبان، صلوات الله وسلامه عليه.
ولا عجب في ذلك، فالرسول هو الذي كان يُصلي بقومه فيطيل الصلاة حتى تستوفي خشوعها وأركانها، ولكنه كان إذا سمع صوت طفل أسرع في الصلاة، خشية أن تكون أمه مع المصلين فتقلق على ولدها، وهو حريص على أن تُسارِع إليه لتُسكِته، وتُزيل سبب بُكائه وغضبه، وهكذا يكون الاهتمام بالأولاد.

أوجب الإسلام على الآباء الإحسان على الأولاد :

-والإسلام يدعو الوالد إلى أن يقوم لولده بما يجب نحوه، فيُحسن له اختيار اسمه، ويختار له مُرضعًا سليمة صحيحة، ويختار له بيئة طاهرة نظيفة، تُبعده عن أقران السوء ورِفْقَة الانحراف، ويُعَلِّمُه أمور الدِّين والدنيا، ويُعلِّمه الكتابة والسباحة والرمي والرياضة والجهاد، وكل ما يحتاج إليه في هذه الحياة.

-وهذا أحد أُمَرَاء المؤمنين يكتب إلى مُعَلِّمِ وَلِدِهِ يقول له: ” صَيِّر يَدَك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، وكُن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعَرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعَلِّمْهُ السُّنن، وبَصِّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في وقته، ولا تَمُرَنَّ بِكَ سَاعَة إلا وأنت مُغْتَنِم له فائدة تُفيده إياها، من غير أن تحزنه فتميتَ ذهنه، وقَوِّمه ما استطعت بالرفق والمُلايَنَة، فإن أبَاهُمَا فعليك بالشِّدَّة والغِلْظَة ” إلخ …
-ومن أجل الطفولة ورعاية الولد شرع الإسلام نظام النَّفقة على الأولاد، ونظام الحضانة للأولاد، ونَظَّمَ التربية للأولاد، وإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء المسلمين في تربية الأولاد، وخاصة حُجَّة الإسلام الإمام الغزالي لوجدناهم يُعطوننا تفاصيل باهرة استمدوها من الإسلام، وكلها تدور حول صيانة الأولاد وتربيتهم وتقويم أخلاقهم.
-والإسلام لا يرضى أبدًا من الإنسان أن يُنجب بذرية، ثم يترك هذه الذرية فقيرة عليلة جائعة ضائعة، ولو أنه فعل ذلك لكان مُهمِلًا لنعمة كبرى من نعم الله تبارك وتعالى، وكان غير مُقَدِّر لقيمتها، فيكون كالكافر لها، والقرآن الكريم يقول: ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلِئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ( إبراهيم: 7 ).