نزل الإسلام في الأرض وهي تموج بألوان من الظلم و الجور ، وممن وقع عليه الظلم المرأة حيث كانت كمَّا مهملا ففي بعض الشرائع كانوا يعدونها شيطاناً يسير في الأرض ، وأنها صنيعة الشيطان ، وفي بعض الملل الأخرى نجدهم يعدونها شرًّا من الموت . وكانت لا ترث من المال شيئا بل كانت تعد ـ نفسها ـ بضاعة تورث كالمتاع والدور والبهائم . ولم يكن لها حق في التملك بل هي ملك للرجل ليس لها من الأمر شيء إلا أن تكون أداة يلهو بها الرجل حيثما شاء فإذا ملَّ منها تركها ، وبحث عن أداة أخرى يلهو بها .

بل في بعض البلاد إذا مات الرجل لم يكن للمرأة حق في الحياة بل الموت ينتظرها جزاءً ظالما هذا حال المرأة قبل الإسلام أو عند غير المسلمين . وفي أحسن أحوالها كانت تُعد مخلوقا من الدرجة الثانية ، وذلك بعدما جلسوا يتناقشون هل هي إنسان مثل الرجل أم لا و ارتاحوا إلى أنها مخلوق خلق لخدمة الرجل ، فهي من الدرجة الثانية أما الدرجة الأولى فهي للرجل .

أما الإسلام فقد رسم القرآن الكريم صورة للمرأة المسلمة الكريمة العزيزة المصونة ، وهي صورة قائمة على احترام الذات، وكرامة النفس، وأصالة الخلق، بل قد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال خيراً بالنساء ، وجعل الإسلام المرأة مساوية للرجل في التنافس على الخيرات فالجنة لمن يعمل صالحا من ذكر أو أنثى ، وخطاب الشرع لم يكن موجها للرجل فقط بل وجَّه الله خطابه لكل من المرأة ، وفي ظل الإسلام وجدت المرأة حقها المسلوب بين يديها فارتقت في شتى الميادين .

يقول : د محمد بن عبد الله بن صالح السحييم في كتابه (كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه ):
بلغت المرأة في الإسلام مكانة عالية، لم تبلغها ملة ماضية، ولم تدركها أمة تالية، إذ أن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة و الرجل على حد سواء، فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء, كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء،

-قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) سورة الإسراء /70.

-وقال عز من قائل : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) سورة النساء/7.

-وقال جل ثناؤه ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) سورة البقرة / 228.

-وقال سبحانه : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) سورة التوبة /71.

-وقال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً – واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) سورة الإسراء / 23 ,24 .

-وقال تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) سورة آل عمران / 195, وقال جل ثناؤه : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل /97.

-وقال عز من قائل : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً ) سورة النساء/124.

وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أي ديانة أو ملة أو قانون فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل، ولا حقوق لها على الإطلاق، واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفْس له، وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية، وأنها رجس .

وكانت المرأة في أثينا تعد من سقط المتاع، فكانت تباع وتشترى، وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان .

وقررت شرائع الهند القديمة : أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة، وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها – الذي هو سيدها – فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت عليها اللعنة .

أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي : ( درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون ؛ فوجدت أمرّاً من الموت : المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويدها قيود ) سفر الجامعة، الإصحاح 7 : 25، 26، ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى .

تلك هي المرأة في العصور القديمة، أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية :

-شرح الكاتب الدانمركي Wieth Kordsten اتجاه الكنيسة الكاثوليكية نحو المرأة بقوله : ( خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدوداً جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية ) .
-وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً ؟ وبعد النقاش : قرر المجتمعون أن المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل .

-وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي : ( المرأة المتزوجة – حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها – لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية ) .

-وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حنى عام 1850 م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى عام 1882 م ليس لهن حقوق شخصية، سلسلة مقارنة الأديان، تأليف د . أحمد شلبي .

-أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية، إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية، بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها و عرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها، فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته، وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية .

لو قارنا هذا بما جاء في القرآن الكريم:

-من قوله تعالى : ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) سورة التوبة/71.

-وقوله جل ثناؤه : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) سورة البقرة / 228 .

-وقوله عز وجل : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً – واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) سورة الإسراء / 23, 24 .

وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً، وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل .