التطهر المعنوي والحسي من أظهر مظاهر الإسلام ، فالنظافة عند المسلمين دين،تعلموها من القرآن والسنة حتى شب الصغير، وشاب الكبير على مقولة يظنها كثير من الناس حديثا، وهي: ( النظافة من الإيمان) وهي حكمة تعلمها المسلمون من دينهم، ولم يعن الإسلام بنظافة الأبدان والثياب تاركا أدران القلوب، بل عرف المسلمون من دينهم تطهير القلوب كما عرفوا تطهير الثياب والأبدان.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-
قد تميز الإسلام بالحرص على التطهر والتطهير، حِسًّا ومعنى، وكان من أوائل ما نزل من القرآن: (وثيابك فطهر) المدثر: 4، بل زاد على ذلك التزين والتجمل، فكان من أوامر القرآن المكي: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف: 31، وقال رسول الإسلام: “إن الله جميل يحب الجمال” رواه مسلم.
ولم يهتم دين بالطهارة والنظافة عموما كما اهتم دين الإسلام، فاهتم بنظافة الإنسان، ونظافة البيت، ونظافة الطريق، ونظافة المسجد، وغير ذلك، حتى شاع بين المسلمين دون غيرهم: هذه الكلمة ” النظافة من الإيمان “، في حين كان بعض رجال الأديان في العصور الوسطى ـ كالرهبان في الغرب ـ يتقربون إلى الله بالقذارة والبعد عن استخدام الماء، حتى قال أحدهم: يرحم الله القديس فلانا، لقد عاش خمسين سنة ولم يغسل رجليه!
وقال آخر: لقد كان مَن قبلنا يعيش أحدهم طول عمره لا يبل أطرافه بالماء، ولكنا أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات! (ذكر ذلك العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه القيم (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) في حديثه عن الرهبانية وتشددها في القرون الوسطى في الغرب.
ومما تجلى للراسخين في العلم، الذين جمعوا بين صحيح المنقول، وصريح المعقول من علماء الإسلام: أنَّ الخُبث والطِيب أمران معقولان في الأفعال: كالحُسْن والقُبح، وفي الأعيان: كالمستقذر والمُستطاب، وأنه لا شكَّ في مناسبة ملابسة الطَّيِّبات، ومجانبة الخبائث، غير أن العقل لا يقع على تفاصيلها، وإنَّما قد يُدرك الفرد منها، أو الأفراد: كالعدل والظلم، وكالماء والعَذِرَة، فجاء الشَّرع بتفاصيلها بتعيين محالها في المحسوسات، وبيان حدودها في المعقولات، وأمر بالبُعد عنها قبل ملابستها، وأمر بتبعيدها وإزالتها بعد ملابستها، وسمَّى ذلك: تطهيرا وتزكية، ففي المعاني: بالتَّوبة والكفَّارات، وفي المحسوسات: بالتطهير بالماء ونحوه، ولذا جمع بينهما سبحانه بقوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة: 222.
ثم إن شرف المخلوق إنما هو بانتسابه إلى خالقه، فاختلفت أحواله، فشرع له التَّنزُّه عن النجاسة في كل حال، وأوجب التَّنزه في أحوال إقباله على ربه كالصلاة، فإنها غاية القرب، ولذا ناسبتها الزينة: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف:31، ويقرب منها الطواف (أي بالكعبة)، وتوسط حال ما هو دون ذلك كتلاوة القرآن وسائر أحوال الحج، لعدم الاستغراق في الإقبال، أو للرفق بالعبد. وكذلك اختلفت الخبائث في ذات بينها للأمرين، أعني قوة الاستخباث أو الرفق، والإحاطة بتفاصيل ما ذكرنا يختص بها علام الغيوب، وإنما أعطى سبحانه العقل أمرا مجملا، ولوائح من التفصيل، بحيث يقبل ما يرد عليه من التفاصيل بعد علمه بحكمه الحكيم تعالى، ولذا نقول: مَنْ لم يعلم الحكمة، فهو متزلزل القواعد في دينه.