من وسائل انتقال الإيدز الحقن بدم ملوث، ويتسبب استيراد الدم من بلاد موبوءة بالمرض –دون التأكد من سلامته- في إصابة الكثيرين.
والمسئولية عن الفعل تكون إما بالمباشرة أو التسبب أو التقصير، وتختلف عقوبة كل واحدة بحسب العلم والقصد والنية، وإعطاء المريض دما ملوثا بالإيدز يكون مسئولية المتعمد نقل الدم، ومن قصر في واجبه في فحص هذه الدماء للتأكد من سلامتها.
يقول فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى:
هذه صورة جديدة مُحيِّرة من صور المسئولية التقصيرية التي تترتب على الفعل الضار، ليس لها شبيه في الأمثلة التقْليدية التي يذكرها الفقهاء.
وبعد التأمُّل والتفكُّير يترجح لدي ما يلي:
1 – أن الطبيب لا يَتحمَّل مسؤولية؛ لأنه ليس هو الذي يَستورد الدم، وليس من وظيفته فحص الدم المستورد إلى المستشفى للتأكد من سلامته، بل هو كما أشبه بآلة نقل الدم إلى جسم المريض.
2 – إن إدارة المستشفى هي المسئولة بالتسبُّب وليس المُباشَرة، فهي غير مباشرة قطعًا، وإنما هي مُقصِّرة في عدم التأكُّد من سلامة الدم الذي تستورده، وتُقدِّمه إلى الأطباء الجرَّاحين حين قيامهم بالعلميات المطلوبة منهم، وهذا التقصير تسبُّب وليس مباشرة.
وإذا كان التسبُّب يُشْتَرَطُ فيه التَّعدِّي؛ فإنَّ تَقْديم الدم المُلوَّث عند الحاجة في العمليات يُعتبر تعدِّيًا بلا ريب مع ملاحظة البنْد التالي:
3 – لكنَّ القضية التاريخية هنا ذات تأثير، فإذا كان اكتشاف أن الدماء التي تُعطَى في العمليات للمرْضى، ووسائل فحْص الدم للتأكد من سلامته أمرًا لم يكن معروفًا في تاريخ العملية إذا كان تاريخها قديما جدا، ولم يكن من المعتاد طبِّيًّا أن تَفْحَص المستشفيات الدماء التي تستوردها لتَتأكَّد من سلامتها، فإن إدارة المستشفى عندئذ لا تكون مُقصِّرة، وحينئذ الضرر الذي حَصَل من باب القضاء والقدر ليس أحدٌ مسئولاً منه.
والمَرْجع في معرفة هذه الناحية التاريخية هو أهل الخبرة من الأطباء المُتَّبِعين للمُكْتَشَفات الجديدة، ولا يَقْتصرون على ممارسة مِهْنتهم، بل يقرؤون المجلات والأخبار الطبية، ويَطَّلعون على المُسْتجدات العلمية والعملية، وما يَتوجَّب على المستشفيات.