يترتب على الإقرار بالذنب أحد أمرين : إما الإقلاع عن الذنب والتوبة منه والندم عليه ، وهذه هي التوبة ، ويقبل منه إقراره، وإما إقرار مع استمرار على الذنب ، وهذه ليست توبة ، ولكن مقدمة لها .

يقول الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :

إذا كان المراد من الاعتراف هو مجرد الإقرار بالذنب، دون إقلاع عنه، وندمٍ عليه، وعزْم على عدم العودة إليه، واتباعه بالحسنات والطاعات، فإن هذا الاعتراف لا يمحو تبعة الذنب، ولا يُسقط عقوبته، فكم من أناس يُقرون بذنوبهم وهم لا ينْوون الإقلاع عنها، بل قد يُفاخرون بها، ويتباهَون حين الاعتراف بها، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال “كلُّ أمتي معافًى إلا المجاهرين”، والمجاهرون هم المجرمون الذين يأتون بالمعاصي، ثم يعْترفُون بها غير مُبالين أمام مَن لمْ يُشاهدْها من الناس.

أما إذا كان المراد بالاعتراف هنا هو الإقرار بالذَّنب، المصحوب بالندم على فعله، وبالإقلاع عنه، وبصدق العزم على عدم الرجوع إليه، واستبدال الطاعات والقرُبات به، مع إخلاص النية والخشية لله تعالى، فإن الله تعالى يَمُن على صاحب هذا الاعتراف بتوبته ومغفرته ومحْو الذنب عن صاحبه؛ لأن الله ـ جل جلاله ـ هو الغفور الرحيم، وهو الذي وسِعَت رحمتُه كلَّ شيء، وهو الذي يغفر الذنوب جميعًا، ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي يقول: “التائب من الذنب كمَن لا ذنب له. وهذا الحديث رواه ابن ماجه عن ابن مسعود.

وهناك رواية أخرى فيها كلام، رواها عن عبد الله بن عباس البيهقيُّ وابنُ عساكر، وهي تقول: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربِّه”.

وقد يُقال بعد هذا إن هُناك حديثًا أورده القشيري في رسالته عن التصوف، وكذلك رواه ابن النجار عن أنس، وهذا الحديث يقول: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب الله عبدًا لم يضرَّه ذنب”.

قد يقول هذا الحديث قائلٌ ويتعلَّل بجزئه الأخير للتجرؤ على المعصية، ولكن يجب علينا أن نفهم أن الله ـ تعالى ـ إنما يُحب الأتقياء الأوفياء الخُلصاء، الذين يرجون رحمته ويخشَون عذابه، ومن أحبه الله ـ تعالى ـ لا نتصور منه أن يكون جريئًا على الإثم، أو مستخفًّا بالأوامر التي تأتيه من الله ـ عز وجل.

وهناك حديث آخر يُسيء بعض الناس فهمه واستغلاله، وهو الحديث الذي يقول: “لو لم تُذنبوا وتستغفروا لذهب الله بكم وأتى بقوم يُذْنبون ويَستغفرون فيغفر الله لهم”. فهذا الحديث لا يُراد منه التحريضُ على عمل الذُّنوب وإتيان المعاصي، وإنما هو دليل على أن بني الإنسان قد كُتب عليهم النقص، فلابد أن يقع منهم بعض النقائص؛ فمتى وقع فالواجب عليهم أن يُسارِعُوا إلى التوبة بشروطها وقُيُودها ونتائجها، فيغفر الله لهم.

ولْنتدبَّرْ معًا قول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران:133 ـ 136) صدق الله العظيم.