إن الحسنات تكفر الذنوب الصغائر بلا خلاف.

وأما الذنوب الكبائر ففي تكفيرها بالحسنات خلاف :

فقال البعض بأنها تكفر بالحسنات كالصغائر ، واستدلوا بقوله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات) و بحديثٍ رواه مسلم وغيره عن أبي قتادة قال،: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية ” وقوله صلى الله عليه وسلم: ” وأتبع السيئة الحسنة تمحها “، فقالوا : إن هذه النصوص عامة في كل السيئات صغيرها وكبيرها ، فتكفرها الحسنات .

ولكن ذهب الجمهور إلى أن الحسنات لا تكفر الكبائر ، وإنما تكفرها التوبة النصوح بشروطها.
ويؤيد هذا الرأي قوله تعالى في سورة النساء: ( إن تجتنبوا كبائر ما تُنهَون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) وحديث الإمام مسلم في صحيحه : ” الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ” .
فإذا كانت هذه الحسنات العظيمة يشترط للتكفير بها اجتناب الكبائر، فأولى أن يكون هذا الشرط ملحوظًا في صيام عاشوراء ونحوه من الحسنات.

جاء في تفسير الجلالين ، في تفسير الآية:
وأقم الصلاة طرفي النهار” الغداة والعشي أي : الصبح والظهر والعصر “وزلفا” جمع زلفة أي : طائفة “من الليل” المغرب والعشاء “إن الحسنات” كالصلوات الخمس “يذهبن السيئات” الذنوب الصغائر نزلت فيمن قبّل أجنبيةً فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالآية ،فقال : ألي هذا ـ أي : خاصةً ؟ فقال: “لجميع أمتي كلهم” رواه الشيخان . “ذلك ذكرى للذاكرين”: عظة للمتعظين. (انتهى)

وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:
ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس، وقال مجاهد: الحسنات قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال ابن عطية: وهذا على جهة المثال في الحسنات ، والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات ـ أي الصغائرـ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتنبت الكبائر).
قلت ـ القرطبي ـ : سبب النزول يعضد قول الجمهور. نزلت في رجل من الأنصار. قيل: هو أبو اليسر بن عمرو، وقيل: اسمه عباد، خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج.

روى الترمذي عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت.

فقال له عمر: لقد سترك الله! لو سترت على نفسك ، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه، فتلا عليه : “أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين” إلى آخر الآية، فقال رجلٌ من القوم، هذا له خاصة؟ قال، (لا بل للناس كافة). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (انتهى)

فالآية نزلت فيمن ارتكب صغيرة ، وهى القبلة والمعانقة ، والكبيرة في هذا الأمر هي الزنى ، وهو لم يرتكبه . فعلى من ارتكب كبيرة أن يبادر بالتوبة النصوح لعل الله أن يكفرها عنه ، ولا يركن إلى حسناته ، فالله أعلم بقبولها.