إن الزواج شركة بين الزوجين، شركة تفرضها الفطرة، وتوجبها الحياة، ويباركها الشرع ويحث عليها.

ولا شك أن عند كل من الطرفين ما ليس عند الآخر، ومع ذلك فكل طرف أحوج ما يكون إلى ما عند صاحبه؛ ولذلك يدخل الطرفان هذه الشركة طواعية واختيارا.

وأثناء هذه الشركة قد تختلف الرؤى، وتتباين المواقف، ويرى أحدهما الخير في شيء بينما يراه صاحبه عين الشر، وقد يجتهد كل طرف أن يقنع صاحبه بما يراه، ولكن ربما يخفق في ذلك .

فكيف تسير الحياة حينئذ؟ هل يصير كل شريك إلى حيث يحب أم يتحاكمان إلى المحكمة؟ لأجل هذا اقتضت العلاقة أن تكون الكلمة الأخيرة عند أحد الطرفين ، وكان هذا الطرف هو الرجل.

ويبقى السؤال لماذا اختص الرجل بهذا؟

للإجابة على هذا السؤال نورد هذه السطور من تفسير المنار للشيخ رشيد رضا – رحمه الله- في تفسير هذه الآية :-

يقول – رحمه الله :-

أي أن الرجال من شأنهم المعروف المعهود القيام على النساء بالحماية والرعاية والولاية والكفاية ، ومن لوازم ذلك أن يفرض عليهم الجهاد دونهن فإنه يتضمن الحماية لهن ، وأن يكون حظهم من الميراث أكثر من حظهن ؛ لأن عليهم من النفقة ما ليس عليهن.

وسبب ذلك أن الله تعالى فضَّل الرجال على النساء في أصل الخلقة ، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة ، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام ، أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد ، وثم سبب آخر كسبي يدعم السبب الفطري ، وهو ما ينفق الرجال على النساء من أموالهم ؛ فإن المهور تعويضًا للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال ، فالشريعة كرَّمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة وهو أن يكون زوجها قيمًا عليها فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع عليها الناس بالعقود لأجل المصلحة ، كأن المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة ، وسمحت بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هي درجة القيامة والرياسة ورضيت بعوض مالي عنها ، فقد قال تعالى : [ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ](البقرة : 228 ).

فالآية أوجبت لهم هذه الدرجة التي تقتضيها الفطرة ، لذلك كان من تكريم المرأة إعطاؤها عوضًا ومكافأة في مقابلة هذه الدرجة ، وجعلها بذلك من قبيل الأمور العرفية لتكون طيبة النفس مثلجة الصدر قريرة العين ، ولا يقال إن الفطرة لا تجبر المرأة على قبول عقد يجعلها مرءوسة للرجل بغير عوض ، فإنا نرى النساء في بعض الأمم يعطين الرجال المهور ليكن تحت رياستهم ، فهل هذا إلا بدافع الفطرة الذي لا يستطيع عصيانه إلا بعض الأفراد ؟.

قال الأستاذ الإمام ( يعني الشيخ محمد عبده مفتي مصر الأسبق – رحمه الله-):-

المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرءوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرءوس مقهورًا مسلوب الإرادة لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه ؛ فإن كون الشخص قيمًا على آخر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه أي ملاحظته في أعماله وتربيته ، ومنها حفظ المنزل وعدم مفارقته ولو لنحو زيارة أولي القربى إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن بها الرجل ويرضى .
( قال ) والمراد بتفضيل بعضهم على بعض تفضيل الرجال على النساء ولو قال ( بما فضلهم عليهن ) أو قال ( بتفضيلهم عليهن ) لكان أخصر وأظهر فيما قلنا أنه المراد ؛ وإنما الحكمة في هذا التعبير هي عين الحكمة في قوله : [ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ]( النساء : 32 ) وهي إفادة أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد : فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن .

( نقول ) يعني أنه لا ينبغي للرجل أن يبغي بفضل قوته على المرأة ولا للمرأة أن تستثقل فضله وتعده خافضًا لقدرها ؛ فإنه لا عار على الشخص إن كان رأسه أفضل من يده وقلبه أشرف من معدته مثلاً ، فإن تفضيل بعض أعضاء البدن على بعض بجعل بعضها رئيسيًّا دون بعض ؛ إنما هو لمصلحة البدن كله لا ضرر في ذلك على عضو ما ؛ وإنما تتحقق وتثبت منفعة جميع الأعضاء بذلك ، كذلك مضت الحكمة في فضل الرجل على المرأة في القوة والقدرة على الكسب والحماية ، ذلك هو الذي يتيسر لها به القيام بوظيفتها الفطرية وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال وهي آمنة في سربها ، مكفية ما يهمها من أمر رزقها .

وفي التعبير حكمة أخرى وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء ، فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والعمل به وفي قوة البنية والقدرة على الكسب ؟ …