اتفق الفقهاء على أن الزانية إذا ولدت سفاحا فنزل لها لبن فأرضعت به قامت حرمة الرضاع وثبتت الحرمة بهذا اللبن بين المرضع والرضيع، وكذا الحال بالنسبة للملاعنة فقد اتفق الفقهاء على نشر حرمة اللبن بالرضاع من الزوجة التي لاعنها زوجها بينها وبين من أرضعته.
أما بالنسبة للزاني أو الملاعِن فالمسألة محل خلاف:
-فذهب جمهور الفقهاء إلى أن لبن الزانية أو المنفي ولدها باللعان من أبيه لا ينشر الحرمة بين الرضيع وبين الزاني ولا بينه وبين الملاعن.
-وذهب الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة، وهو المشهور عند المالكية إلى أن التحريم لا يقتصر على الزانية والملاعنة بل يثبت التحريم أيضا للزاني والملاعن.
يقول فضيلة الدكتور محمد نجيب المغربي –أستاذ الشريعة بجامعة الكويت-:
اتفق الفقهاء على أن من ولدت من زنى فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا قامت حرمة الرضاع، وثبتت الحرمة بهذا اللبن، ذلك لأن هذا اللبن نشأ عن وطء الحمل وإن لم يكن نكاحا لكن ثاب هذا اللبن وتجمع غزيرا لمناسبة ذلك فهو في حرمته مثل اللبن الناشئ عن الزواج والوطء فيه وإن كان هذا من نكاح وذلك من سفاح لكن هذا فعل ونحن بصدد الحديث عن سبب الفعل ومصدره وهو ثوبان اللبن .
واتفق الفقهاء أيضا: على نشر حرمة اللبن بالرضاع من الزوجة التي لاعنها زوجها إذا أرضعت صغيرا باللبن الذي ترضع منه منفي النسب، وقال الفقهاء إنه رضاع معنى تنتشر الحرمة به فيستوي فيه مباحه ومحظوره، فالوطء في الموقفين حصل منه لبن وولد .
هذا بالنسبة للحرمة بين المرضعة والرضيع في هاتين الحالين فما موقف الحرمة بين الرضيع وبين الرجل سبب اللبن “الزاني والملاعن ”
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول:هو لجمهور الفقهاء، وذهب أصحابه إلى القول إن لبن الزانية أو المنفي ولدها باللعان من أبيه لا ينشر الحرمة بين الرضيع وبين الزاني ولا بينه وبين الملاعن، فحرمة الرضاع تكون للمرضعة فقط وليس للزاني، ذلك لأن النسب في الزنى يكتب لها لا إلى الزاني، ومن يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع والعكس، وما دام النسب للمرأة يثبت منها بالرضاع وليس بالرجل، فالقاعدة أن كل من يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع .
كما اشترط الفقهاء لنشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل لكي يعتد بها أن يكون له حمل ينتسب إليه. إما لكونه في نكاح أو نكاح بشبهة، ومن ثم فإن لبن الزاني أو النافي للبن باللعان لا ينشر لبنهما الناشئ بسبب فعلهما حرمة بينهما وبين المرتضع، وقد نص على ذلك “أبو حامد الخرقي” من الحنابلة وكذا “أبو الخطاب” وهو قول للإمام الشافعي أيضا؛ لأن اللبن الأول انقطع فالظاهر أنه حدث للحمل والحمل للزوج الثاني فكان المرضع باللبن ابنه .
كما ذكر “الحلي” في المختصر النافع أن شرط نشر حرمة اللبن بالرضاع كون اللبن فقط عن نكاح أي زواج المرضعة فقط دون قيد الحمل أو الولادة .
فيستفاد من النص الأول أن حرمة الرجل الناشئة عن الرضاع من لبن زوجته تستمر ما دام لبنها قائما، حتى لو انفصلت عنه فيقاس على ذلك ما لو استمرت كذلك دون زواج، فلو تزوجت بغيره كما جاء النص فأرضعت صغيرا من لبنها نسب اللبن إلى الرجل الثاني لأن الحمل والوطء أصبح منه، ويدخل في ذلك لمجرد المعاشرة ولو لم يتم حمل ولا ولادة كما جاء في النص الثاني الذي اشترط لمجرد نشر الحرمة وجود المرضعة في زوجية .
كما برر هؤلاء وجهة نظرهم بأن الحرمة بين الرضيع وزوج المرضعة إنما هي فرع لحرمة الأبوة، وهنا لم تثبت أبوة في الحالة الأولى لأن الفاعل زان لا زوج، وفي الثانية لنفيه سبب الولادة واللبن أصلا. فبانتفاء شرعيته انتفت الأبوة أيضا، فلا تثبت حرمة بالرضاع بهذا اللبن بين الرضيع وبين النافي باللعان لأنها فرع الأبوة كما ردوا على من قال لهم: إن ابنة الزاني من الزنى تحرم عليه فلم لا تحرم بينه وبين من يرتضع لبنه الذي هو سببه؟ ردوا بأن الأمر مختلف فابنته من الزنى من نطفة حقيقية مباشرة خلافا للرضاع .
وذهب جانب آخر من الفقهاء وهم الأحناف والمشهور المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة: إلى القول إن لبن الزاني والنافي للولد باللعان ينشر الحرمة بينهما أي بين الزاني والملاعن وبين المرتضع .
وذلك لأن اللبن في ذاته معنى ينشر الحرمة فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره .
وقالوا: إن الوطء في النكاح حصل منه ولد ولبن. فكما الولد تنتشر الحرمة بينه وبين الزوج الواطئ فكذلك اللبن وحده وما دام الرضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فكذلك ينشرها إلى الواطئ .
والراجح : ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول من أن اللبن الناشئ عن وطء غير مباح كما في الزنى أو عن نفي الولد باللعان لا ينشر حرمة بين الرضيع وبين الرجل المتسبب في اللبن لانتفاء الأبوة من النسب لأنها الأصل والرضاع فرع لها مصداقا لقوله ﷺ “يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب” فمادام النسب منفيا بالزنى واللعان فما دام النسب منفيا بالزنى واللعان فتنتفي حرمة الرضاع .
كما أن الشرع الحنيف يعمل على مسح آثار الزنى بعد توقيع حد الزنى في حال عدم الإحصان، ومن بين هذه العقوبات التغريب للزاني، لينسى الناس فعلته، فهل ننشر حرمة الرضاع بينه وبين من رضع من اللبن الذي تسبب فيه بزناه أو اتهمت فيه الزوجة باللعان ؟ فيستمر الأمر فيقال هذا فلان الابن من الرضاع لفلان الزاني بالرغم من أنه لا علاقة له بهذه التهمة، كما أنه لم يأت من نطفة الزنى المحرمة، على عكس نسبته للمرضعة فإنه يقال : ولدها من الرضاع دون تعرض لمسبب اللبن فالأولى ترجيح هذا الرأي .