قال فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر – رحمه الله – في كتابه يسألونك..:

إن استئصال الشرِّ لازمٌ، وبتْرُ العضو الفاسد الضار واجب، والقضاء على الفتنة الخبيثة أمر تستلزمه الحكمة والإصلاح، ومع هذا أرى أن مقارعة الحجة بالحجة أولَى، فيجب أن لا نكتفي في مجال المطاعن التي تُوجَّه إلى الإسلام بالكبْت والمصادرة، ودون إيضاح أو تفصيل؛ لأن ذلك لا يقطع دابر الفتنة، ولا يقضي على الباطل تمامًا، إذ سيظل الباطل منشورًا.

وكذلك حينما نلجأ إلى أسلوب المصادرة يحرص الناس على طلب الممنوع و قراءة المصادر، ولو بطريقٍ مُعوج أو متعب، فكأننا نلفت الأبصار إلى ما لا يسحق الالتفات، فيتَّخذ التافه من الباطن مكانة لم تكن له لو مرَّ بيننا مرورًا عاديًّا ومن خلفه سياط التصحيح وأضواء التقويم وكذلك نخشى أن يُساء استغلال السلطة في هذا المجال، إن لم يكن اليوم فغدًا، فإن المعارضة في الرأي والمخالفة في الفكرة تدعو إلى الشقاق والاعتزاز بالذات، فيُساء استعمال السلطان… والتلميح يُغني عن التصريح.

ويجب أن نتذكر أن مقارعة الحجة بالحجة تُظهر زيْفَ الباطل، وتبصر الناس بما في الخُرافات من وجوه التفاهة والسخف، وهذه المقارعة تلجئ رجل الدين الذي نصبناه وارثًا للرسول، وحارسًا للملَّة، ومدافعًا عن الشريعة إلى اليقظة والانتباه، وتتبُّع الشبهات والأباطيل، والكرِّ على الطعون الدينية والافتراءات الإلحادية بما يقضي عليها القضاء المبرم، وهذا يستلزم منه مواصلة البحث، ومداومة الدرس، والعُكوف على المصادر والمراجع والكتب، فيتَّسع أفقه الثقافي، ويتضاعف محصوله العلمي، فيكون خير مثال لرجل الدين اليقظ الغيور.

ولا خوف على الإسلام الخالد الثابت من شبهاتٍ مهما كثرت، أو طعون مهما تآزرت، فالإسلام يقوَى بالمِحَن، ويعلو عبر الزمن: (إنًّا نحنُ نزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لهُ لحافظُونَ ) ( الحجر: 9 ) وكم من أعداءٍ للإسلام كادوا له وتآمروا ضده، ثم جاء الحق فزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا قال تعالى: ( إنهم يَكيدونَ كيدًا * وأكيدُ كيدًا * فمَهِّلِ الكافرينَ أمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا )الطارق: 15ـ17 وقال تعالى:( يُريدونَ لِيُطْفِؤوا نُورَ اللهِ بأفْوَاهِهِمْ و اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولوْ كَرِهَ الكافرونَ ) الصف: 8. وقال تعالى: ( فأمَّا الزَّبَدُ فيذهبُ جُفَاءً و أمَّا ما يَنفعُ الناسَ فيَمْكُثُ في الأرضِ ) الرعد: 17.

ولا مانع بعد هذا الإيضاح والدحْض للشبهات من القضاء على الباطل، بعد إقامة الأدلة على بطلانه.