الأصل أن المسلم بعد الوضوء طاهر من الحدث الأصغر وصلاته صحيحة، ولا ينتفي هذا الأصل إلا بالتأكد من حدوث ناقض للوضوء، فإذا لم يتأكد من خروج المذي فهو على وضوئه وصلواته التي يصليها به صحيحة، وإذا لم يشعر بخروجه ووجدت آثاره بعد الصلاة فلا يجب عليه أن يعيد الصلاة، إلا أن يغلب على ظنه أنه خرج قبلها أو أثناءها -دون أن يكون للوسوسة دور في ذلك-، بأن وجد سبب لخروجه كأن كان يفكر في أمور النساء أو الجماع أو حدث انتصاب قبل الصلاة، ففي هذه الحالة الأولى له أن يعيد الصلاة التي صلاها بعد حدوث شيء.
أما إذا لم يحدث ذلك فلا يعد الصلاة.
ولا يجب عليه التأكد قبل الصلاة من عدم خروج المذي، ولكن إن شك في خروج شيء منه أو وجد سببه فينبغي أن يطمئن قبل الصلاة بالنظر إلى فرجه أو ثيابه المباشرة له، فإن وجد تلك الآثار علم أنه خرج فيغسل ما أصيب به من جسمه ويمسح ما أصيب به من ثيابه بيده مبتلة، ولا يغسل منه الثياب، ثم يتوضأ وتصلي.
فإذا اكتشف وجوده وتأكد أنه خرج فعليه أن يعيد كل الصلوات التي يغلب على ظنه أنه حدث قبلها، وأما عند الشك فقط دون غلبة الظن فلا يعد شيئا. ولا يتبع الوسوسة، بل عليه أن يسد بابها عن نفسه.
فقد ذكر الإمام النووي في المجموع ما يتميز به مذي المرأة والرجل بقوله : والمذي ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة، لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال. انتهى.
ثم إنه من الضروري الإعراض عن تلك الوساوس التي تعتري المسلم في شأن خروج المذي، فلا ينبغي له قطع الصلاة بمجرد ظن خروج المذي، كما لا يبطل الوضوء بذلك، ولا الصوم أيضاً، بل لابد من التحقق من خروجه بدليل ما في الصحيحين واللفظ لمسلم : شكي إلى النبي -ﷺ- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
قال النووي: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها. انتهى.
وإذا حصل اليقين بكونه مذياً، فالواجب غسله مع عدم المبالغة في ذلك، وعدم تتبع الوساوس، وبعد انقطاع خروجه فقد طهر المحل، ولا يتنجس الثوب الذي تم التنشيف به، وإذا تم الغسل، فلا يتنجس الجسد ولا الملابس مكان الغسل بملامسته، والاسترسال في هذه الأمور سبب للوساوس، فالأولى الإعراض عن ذلك.