من الأشياء التي يهتم ببحثها علم أصول الفقه تعارض الأدلة متى يكون ، وكيف يمكن الترجيح بين الأدلة المختلفة ؟ ومعرفة الدليل القوى والدليل الصحيح من جهة ثبوته أو دلالته، وهي مسائل غاية في الدقة لا يقوى على بيانها إلا الأفذاذ من العلماء ، ولعلماء الأصول قواعد يرجحون بها بين هذه الأدلة المختلفة .
يقول الدكتور الشيخ مصطفى بن حمزة ـ أستاذ التعليم العالي لمادة مقاصد الشريعة بجامعة محمد الأول بوجدة ـ المغرب :
الأصل أن تكون عملية الترجيح من وظائف العلماء القادرين على التمييز بين الأدلة، وهو يلجأ إليه حينما يفترض وجود اختلاف بين نصين ليس من درجة واحدة ثبوتا ودلالة؛ فحينما يكون هذا التوهم حاصلا في ذهن المجتهد فإن الأمر يسهل حينما يعلم أن الظني لا يواجه القطعي، وأن ما كان محتملا لم يصح أن يواجه به ما كان قطعيا.
وحين ذاك يلجأ إلى إسقاط الظني والعمل بالقطعي، وعملية الترجيح التي نشأت بين العلماء المجتهدين لم تكن تنحصر بالضرورة في تأييد المذهب على غيره، وإنما كانت تتوخى الثبوت والصحة، ولذا وجدنا من العلماء من خرج عن أدلة مذهبه وأخذ بمذهب الغير، ونجد ذلك جليا في عمل ابن العربي الذي طالما رجح مذاهب وأقوال علماء آخرين وانتصر لها وحكم على أدلة مذهبه المالكي بالضعف والوهن.
كما نود الإشارة إلى أن عملية الترجيح العامة التي لا تكون بين مذهب وآخر هي من قبيل الترجيح المطلق الذي تناوله الأصوليون فقدموا الخاص على العام والمقيد على المطلق وما رواه الثقاة على ما رواه الضعفاء وعملوا بالمتأخر في مقابل تركهم المتقدم وهذا بحث يستغرق جزءا مهما من كتب الأصول .