يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً – رحمه الله تعالى – :
يقول ابن خلدون في مقدمته ص 249: لما كان موسى وبنو إسرائيل في التيه أمره الله باتخاذ قبة من خشب السنط يوضع فيها التابوت والمائدة وبها منائر بقناديل، فبناها ووضع فيها تابوت العهد الذي فيه الألواح التي صنعت عوضًا عن الألواح المنزلة بالكلمات العشر لما تكسرت، وكانوا يصلون في التيه إلى هذه القبة التي بين خيامهم، ولما دخلوا الشام وبقيت قبتهم قبلتهم وضعوها على الصخرة ببيت المقدس، وأراد داود بناء مسجده على الصخرة مكانها فلم يتم له ذلك فبناه ابنه سليمان واتخذ عمده من الصخر وجعل صرحه من الزجاج وغشي أبوابه وحيطانه بالذهب، وصاغ هياكله وتماثيله وأوعيته ومنارته من الذهب..
وتعرض بيت المقدس للتخريب على يد بختنصر بعد 300 سنة من بنائه، كما خربه آخرون، ولما جاء قسطنطين وتنصرت أمه هيلانة استخرجت الخشبة التي صلب عليها المسيح من وسط القمامة، وبنت مكان القمامة كنيسة القمامة أو القيامة كأنها على قبره بزعمهم، وخربت ما وجد من عمارة البيت وأمرت بطرح الزبل والقمامات على الصخرة حتى غطتها.
ولما ذهب عمر بن الخطاب إلى الشام وسأل عن الصخرة أزال عنها التراب وبني عليها مسجدًا يعرف بمسجد عمر، ولما جاء الصليبيون هدموها وبنوا عليها كنيسة قام بهدمها صلاح الدين سنة 580هـ وأظهر الصخرة وبني المسجد مكانها على النحو الذي هو عليه الآن “ابن خلدون توفي سنة 880هـ = من مارس 1406.
وجاء في كتاب الشعب “مساجد ومعاهد” ج2 ص126: أن البطريق دل عمر على الصخرة ليبني مسجدًا وقال: هي التي كلم الله عليها يعقوب.
وفي ص 15 وما بعدها بقلم د: السيد محمود عبد العزيز سالم: أن قبة الصخرة في وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، وكانت موضع احترام الأديان الثلاثة، أنشأها الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بشكل ينافس الكنيسة المجاورة، وشرع في بنائها سنة 71هـ (690م) وأتمها سنة 72هـ واختار لبنائها أرفع مكان في ساحة الحرم الشريف وهو المكان الذي قيل إن الرسول صعد منه إلى السماء ليلة الإسراء.
وكان عمر قد أقامه حين زار الشام سنة 16هـ وأقيم فيه مصلى من الخشب عرف باسمه، فأمر عبد الملك بإنشاء القبة على الصخرة المقدسة، وأطلق عليها أحيانًا اسم جامع عمر.
ثم يقول:
قبة الصخرة بناء حجري مثمن طول ضلعه 50ر20 مترًا تتوسطه قبة شديدة الارتفاع مصنوعة من الخشب مغطاة من الخارج بطبقة من الرصاص. وتقوم على رقبة اسطوانية تتفتح فيها 16 نافدة، وتتكئ الرقبة على دائرة من العقود نصف دائرية، وتقوم العقود بدورها على دائرة من الأعمدة والدعائم، وبين هذه الدائرة من العقود والمثمن الخارجي مثمن أوسط من الأعمدة والدعائم، ويدور بين هاتين الدائرتين من الأعمدة رواقان مخصصان للصلاة.
والصخرة قطعة من الصخر غير منتظمة طولها 18 مترًا من الشمال إلى الجنوب وعرضها 13 مترًا من الشرق إلى الغرب وأكثر أجزائها ارتفاعًا لا يتجاوز مترًا ونصف متر. وفي أسفلها غار كبير بداخله محراب صغير، ويربط أبدان الأعمدة عند منتصفها سياج يفصل بين الأروقة والصخرة وترتبط تيجان الأعمدة فيما بينها بأوتار خشبية تلافيا للضغط الناشئ من القبة.
والجدران الخارجية لقبة الصخرة تبدو كمثمن طول كل ضلع من أضلاعه الثمانية 12 مترًا ونصف متر، وارتفاعه تسعة أمتار ونصف متر، ويزدان كل ضلع من هذه الأضلاع بسبع طاقات مستطيلة معقودة في أعلاها.. وكانت جدران القبة مغطاة قديمًا بتربيعات الفسيفساء، ولكن السلطان سليمان القانوني استبدل بها سنة 925هـ (1545م) حشوات من الخزف الرائع.
وقد وصفها الرحالة الفارسي “ناصر خسرو” في النصف الاول من القرن الخامس للهجرة، بما يقرب من ذلك وقال: الصخرة أعلى من الأرض بمقدار قامة الرجل، وقد أحيطت بسياج من الرخام حتى لا تصل يد إليها. والصخرة حجر أزرق لونه لم يطأها أحد برجله أبدًا ومن ناحيتها المواجهة للقبلة، انخفاض كأن إنسانًا سار عليها، فبدت آثار أصابع قديمه فيها كما تبدو على الطين الطري وقد بقيت عليها آثار سبع أقدام، وسمعت أن إبراهيم كان هناك وكان إسماعيل طفلاً فمشى عليها، وهذه آثار أقدامه.
تلك نبذة بسيطة من كتابات كثيرة عن الصخرة والقبة التي بنيت عليها ويهمنا أن نعمل على استعادتها من أيدي الغاصبين، وأن تتاح الفرصة لشد الرحال إليها فالصلاة فيها تعدل خمسمائة صلاة فيما سواها كما ورد في الحديث.
ويقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
إننا قد زرنا المسجد الأقصى ورأينا الصخرة وعرفنا منشأ الشبهة في أقاويل الناس فيها ، على أنها ليست مرفوعة في الهواء ، ذلك أن الداخل في الحرم يرى في صحنه الفسيح بناءً مرتفعًا يصعد إليه بالسلالم وسطح هذا البناء الواسع مرصوف بالبلاط وفيه قباب أعظمها وأكبرها وأكثرها زخرفا قبة الصخرة وبالقرب منها قبة يسمونها قبة المعراج يقولون إن النبي-ﷺ-عرج منها ، والصخرة موضوعة في قبتها وقد جعلت سقفًا لمغارة صناعية تحتها لها باب ينزل إليه بسلم قصير .
فهم يقولون إن الصخرة كانت في الهواء حيث هي الآن ، وإن الناس بنوا تحتها هذا البناء ووصلوه بها ، وشبهتهم أن الصخرة مرتفعة عن أرض الحرم التي هي الآن سطح الحرم الأصلي الذي تحت الأرض .
وفاتهم أن رفع الصخرة من أرض الحرم الذي في الأرض أو سطحه الذي هو صحن المسجد لهذا العهد متيسر للإنسان ويوجد له نظائر في مباني الغابرين والحاضرين .