هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:( من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)
هل حديث الخلود في النار لأهل الكبائر على إطلاقه
علق عليه ابن حجر فى (فتح البارى) ورد شبهة المعتزلة المتمسكين به بقوله:
وقد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار , وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة :
منها توهيم هذه الزيادة , قال الترمذي بعد أن أخرجه : رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر ” خالدا مخلدا ” وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب قال : وهو أصح لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها ولا يخلدون.
وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحله , فإنه يصير باستحلاله كافرا والكافر مخلد بلا ريب .
وقيل : ورد مورد الزجر والتغليظ , وحقيقته غير مرادة .
وقيل : المعنى أن هذا جزاؤه , لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم .
وقيل : التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله . وقيل : المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة , وهذأ أبعدها . (انتهى)
الحديث ليس على إطلاقه . بل هو مقيد بالأحاديث الدالة على عدم خلود أهل الكبائر فى النار . وإذا احتمل الدليل غير الظاهر منه فلا يصح الاحتجاج به ـ كما هو مقرر في الأصول.
هل أصحاب الكبائر يخلدون في النار
يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى- يبيَّن الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم حكم الشرك وحكم ما دونه، فبيَّن سبحانه أن الشرك لا يغفر، وأنه تعالى يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فعلم بذلك أن ما دون الشرك من المعاصي كلها تحت مشيئة الله، ويدخل فيها قتل النفس بغير حق، ويدخل فيها أكل الربا، والعقوق، وشهادة الزور، وشرب الخمر، وغير ذلك من سائر المعاصي، كالقمار، وقطيعة الرحم، وسائر المعاصي كلها تحت المشيئة.
أما التفريق بينها وبين بعضها، فهذا في درجة الشرك وهذا دون ذلك هذا لا دليل عليه، وهو خلاف قول أهل السنة والجماعة، فإن أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي ﷺ ومن سار على نهجهم، كلهم متفقون على أن جميع المعاصي دون الشرك، وعلى أن أصحابها إذا ماتوا عليها غير تائبين تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر لهم وعفا، وإن شاء أدخلهم النار، وعذبهم فيها على قدر جرائمهم، كما جاء في القاتل: فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:275] وفي آكل الربا: فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:275] وفي القاتل: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء:93] وجاء في كبائر أخرى أنواع من الوعيد.
فكل هذا الوعيد لا يخرجها عن كونها تحت المشيئة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد يعفو ولا ينفذ وعيده، وإخلاف الوعيد من صفات الكمال، بخلاف إخلاف الوعد، فالله لا يخلف وعده جل جلاه، يعني: وعده بالخير، ولكن إخلاف وعيده، هذا من مكارم الأخلاق إذا عفا، كريم الأخلاق من بني آدم، فكيف بالله العظيم الكريم الذي هو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين؟! فإنه إذا عفا سبحانه فله الفضل، وله الجود والكرم سبحانه جل في علاه.